لطالما وجهت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سهام نقدها إلى دول العالم الثالث بشأن طريقة تعامل قوات الشرطة في تلك البلدان مع المتظاهرين والمحتجين ومثيري الشغب، ودعواتها المتكررة إلى «ضبط النفس واحترام حق التجمع والتعبير السلمي»، وغيرها من العبارات والشعارات الرنانة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وما يتعلق بملف حقوق الإنسان في تلك البلدان، خاصة مع اندلاع أعمال عنف على خلفية احتجاجات مختلفة تقع بين فترة وأخرى.
لكن التعداد الذي نشرته وسيلتان إعلاميتان أمريكيتان، هما، صحيفة «الغارديان» بنسختها الأمريكية، وصحيفة «واشنطن بوست» مؤخراً والذي كشف عن مقتل 1130 مدنياً بنيران الشرطة الأمريكية خلال عام 2015 - بمعدل 3 مدنيين يومياً، أي مدني واحد يتم تصفيته على يد قوات الأمن كل 8 ساعات! -أثار الكثير من الجدل حول الازدواجية الأمريكية التي تطالب قوات الشرطة في الدول الأخرى، خاصة الدول النامية، بضبط النفس في التعامل مع أشخاص يشكلون خطراً على الأمن، بينما لا تقبل أي تهاون ولا تتردد قوات أمنها في تصفية مدنيين ربما تشك في أنهم يضرون بأمن واستقرار البلاد!!
وبسبب عدم تقديم أي عدد رسمي لهذا النوع من الضحايا قامت الصحيفتان بتقديم تعدادهما بهذا الشأن بعد تصاعد الجدل حول هذا الملف.
وأفاد موقع «الغارديان» على الإنترنت أن 1130 شخصاً قتلوا على أيدي عناصر من الشرطة خلال العام الماضي سواء بالرصاص أو صعقاً بالكهرباء أو دهساً بسيارات الشرطة أو خلال التوقيف، بينما قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن 979 مدنياً قتلوا خلال الفترة نفسها برصاص عناصر من الشرطة. والقتلى تم تقسيمهم إلى 3 مجموعات، الأولى، من كانوا يحملون سلاحاً ويشكلون تهديداً، والثانية، من اعتبروا يعانون من مشاكل نفسية، والثالثة، من حاولوا الهرب خلال محاولة توقيفهم، إلا أن مسألة الانتماء العرقي تصبح أكثر أهمية عندما لم يكن الخطر داهماً على عناصر الشرطة. فالسود الذين يشكلون 6% من السكان الأمريكيين يمثلون 40% من الأشخاص غير المسلحين الذين قتلتهم الشرطة. وخلال العامين الماضيين أثارت أساليب العنف التي يعتمدها رجال الشرطة مع السود بوجه خاص، احتجاجات حاشدة، في الولايات والمدن الأمريكية كما حدث في نيويورك وفيرغسون وبالتيمور وشيكاغو.
ولعل أبرز تلك الاحتجاجات التي وقعت مؤخراً كانت في شيكاغو، مع نشر فيديو يظهر فيه شرطياً أبيض يقتل فتى أسود بدم بارد بـ 16 رصاصة خلال 14 ثانية فقط!
وبحسب تقرير التشريح فإنّ الفتى أصيب بالرصاص في رأسه وعنقه وذراعيه ويده وظهره. ومن الأمور التي أثارت الجدل مؤخراً أيضاً، قرار هيئة المحلفين عدم محاكمة شرطي أبيض قتل قبل عام الطفل الأسود تامير رايس «12 عاماً» وكان يحمل مسدساً مزيفاً «لعبة»، في قرار أثار غضب عائلة الضحية واحتجاجات عارمة في نيويورك.
وبعد عام على الواقعة خلص مكتب المدعي العام إلى أن قرار الشرطي إطلاق النار كان مبرراً لأنه اعتبر رايس مصدر تهديد، وهو الرأي الذي أيدته هيئة المحلفين!!
والمثير في الأمر ما تم الكشف عنه من أن معظم أفراد الشرطة لا يتلقون تدريباً يذكر على أفضل سبل التعامل مع الأزمات التي يكون مرضى عقليون طرفاً فيها رغم تزايد مثل هذه الحالات في الآونة الأخيرة. وقتلت شرطة شيكاغو الطالب الجامعي كينتونيو لو جريير البالغ من العمر 19 عاماً والذي قال أقاربه إنه كان يعاني من مشاكل عقلية. وفي السنوات الأخيرة أزهقت رصاصات الشرطة أرواح مصابين بأمراض عقلية في تكساس وكاليفورنيا وكولورادو وفرجينيا. ووجدت إحدى الجماعات المناصرة للمصابين بالأمراض العقلية أن الأمريكيين المصابين بأمراض عقلية حادة عرضة للقتل بأيدي الشرطة على نحو يزيد 16 مرة عن فرصة تعرض غيرهم من المدنيين لذلك.
والحادثة الأخرى التي أثارت الكثير من الجدل، تصفية الشرطة لمصاب بالشلل ومقعد على كرسي متحرك في الشارع بـ 7 رصاصات، لأنه لم يمتثل لأوامرها ويرفع يديه في ويلمنغتون بولاية ديلاوير. ونشرت وسائل إعلام شريطاً مصوراً للحادث المأساوي يرى فيه الضحية يميل عن كرسيه مكوّماً على الأرض كدجاجة مذبوحة. والمثير أن الشرطة تذرعت بأقبح من الذنب الذي ارتكبته بمرات، فقد قالت لأقاربه إنه «كان يحاول الانتحار»، أي أنها أنهت حياته بدلاً من أن يقوم هو نفسه بإنهائها منتحراً، هذا على افتراض أنه كان يريد الانتحار فعلاً!!
* وقفة:
أمريكا، بلاد الديمقراطية والحريات وحاملة لواء حقوق الإنسان لا تتوانى شرطتها عن تصفية مشلول أو طفل أو فتى أعزل إذا شكت في أنه يهدد الأمن، حتى وإن كان ذلك الشك في غير محله!!