لم يكن مستبعداً أن تقوم قائمة إيران ولا تقعد على خلفية إعدام الإرهابي نمر النمر، بطبيعتها المتدخلة في شؤون الآخرين لاسيما دول الخليج العربي كالعادة، ولاسيما في ظل ارتباط العقوبات السعودية بأحد أبرز الإرهابيين الذين كانت تعول عليهم الجارة الإيرانية في زعزعة الأمن الداخلي وخدمة مصالحها من الداخل، غير أن ردة الفعل الأخيرة كانت باهظة الثمن بالنسبة لإيران.
أن تتقدم أي دولة خليجية أو إحدى القوى العظمى لردم الخلاف بين السعودية وإيران، والتخفيف من حدة التوتر المتصاعد بين الطرفين أو احتوائه على أقل تقدير، فإنه أمر يمكن أخذه على منحى من الجدية والتعاطي معه باهتمام، أما أن تتقدم لذلك بغداد وهي أضعف دولة بالإقليم، فهو إما أن يكون مثار سخرية أو ريبة!!
من جهة أخرى، يدعو ذلك للتساؤل حول المقاصد العراقية في لعب دور المصلح وحول ما إذا كانت بغداد طرفاً محايداً وهي أصلاً في الحضن الإيراني!! غير أننا ولنقطع الشك باليقين، يحق لنا الوقوف على ما يمكن للعراق تقديمه من ضمانات إيرانية للخليج العربي وعلى رأسه السعودية «الحازمة» على سبيل إبداء حسن النوايا. ويمكن اقتراح ثلاثة مطالب رئيسة كضمانات حقيقية للصفح عن إيران، وإخراجها من العزلة الجديدة التي بدأت تفرض عليها لسوء صنيعها ولردود أفعالها الهمجية غير المحسوبة:
* المطلب الأول: فتح باب التحاكم لدى محكمة العدل الدولية حول الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران في نهاية نوفمبر عام 1971، حيث طنب الكبرى وطنب الصغرى اللتين تتبعان إمارة رأس الخيمة، وجزيرة أبي موسى التي تتبع إمارة الشارقة. وذلك لما لتلك الجزر من أهمية استراتيجية بوقوعها في مدخل الخليج العربي ما يمكن بالتالي من السيطرة على مضيق هرمز.
* المطلب الثاني: التفاوض بشأن الجرف القاري، وترسيم الحدود بين إيران ودول الخليج العربي فيما يتعلق بالحدود البحرية والحقول النفطية.
* المطلب الثالث: تتطلع دول الخليج العربي أن يقام مسجد للسنة في طهران كأحد أهم العوامل الدينية، التي يمكن لإيران أن تثبت من خلالها على احترام التعددية في المذاهب الإسلامية، بما ينعكس على احترام جيرانها السنة في الخليج العربي كما هم فاعلون بالمقابل، فضلاً عن ضمان صون حقوق الإيرانيين السنة هناك.
فحرية الدين والمعتقد مدرجة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «المادة 18»، وأعيد تأكيدها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «المادة 18». وإن كانت إيران منحت تلك الحقوق الدينية لغير المسلمين من أهل الكتاب وهي «الجمهورية الإسلامية»، فمن باب أولى أن تكون حقوق المسلمين على تعدد مذاهبهم مصانة أيضاً.
* اختلاج النبض:
ورغم أهمية موضوع التدخلات الإيرانية في شؤون الخليج العربي إلا أن نيل المطالب الثلاث السابقة كفيل بإنهاء تلك التدخلات. ويبقى إن كانت دولة العراق على قدر من القوة بما يجعلها تحقق تلك الضمانات الإيرانية للخليج العربي، فأهلاً بها مصلحاً، وإلا: «بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا.. عن ذوي التيجان ممن دخل البطن اللعينا.. إنهم قالوا وخير القول قول العارفينا.. مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً».