من السهل أن تنتقد آخر، من السهل أن تنتقد من تريد، رؤساء، حكومات، أنظمة، جمعيات سياسية وخيرية واجتماعية وإنسانية، ولكن من الصعب أن تعرف الظروف التي يمر بها هذا أو ذاك من الناس، الذين ترى ظاهرهم فقط ولا تعرف أي المياه تجري داخلهم، وهذه أحد الأسباب التي تكسر المحبة في أي مجتمع من المجتمعات على كوكبنا الأرضي.
قبل فترة، قرأت قصة معبرة خير تعبير عن التسرع في الحكم، دون انتظار معرفة ظروف الإنسان التي نحكم عليها من الظاهر، تقول القصة الواقعية هذه، دخل استشاري جراحة الدماغ د.سعيد القحطاني إلى مستشفى عسير المركزي بعد أن تم استدعاؤه على عجل، لإجراء عملية فورية لأحد المرضى، لبى النداء بأسرع ما يمكن، وحضر إلى المستشفى، وبدل ثيابه واغتسل استعداداً لإجراء العملية. قبل أن يدخل إلى غرفة العمليات وجد والد المريض يذرع الممر جيئة وذهاباً، وعلامات الغضب بادية على وجهه وما إن رأى الطبيب حتى صرخ في وجهه قائلاً:
- علام كل التأخير يا دكتور؟ ألا تدرك أن حياة ابني في خطر؟ أليس لديك أي إحساس بالمسؤولية؟
- ابتسم الطبيب برفق وقال: أنا آسف يا أخي فلم أكن في المستشفي وقد حضرت حالما تلقيت النداء وبأسرع ما يمكن، والآن أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي، وكن على ثقة بأن ابنك سيكون في رعاية الله وأيدي أمينة.
- لم تهدأ ثورة الأب وقال للطبيب: أهدأ ؟ ما أبردك يا أخي لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ سامحك الله. ماذا لو مات ولدك، ماذا ستفعل؟
- ابتسم الطبيب وقال: أقول قوله تعالى: «الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنـا إليه راجعون».. وهل للمؤمن غيرها؟ يا أخي الطبيب لا يطيل عمراً ولا يقصره، والأعمار بيد الله، ونحن سنبذل كل جهدنا لإنقاذ ابنك ولكن الوضع خطير جداً، وإن حصل شيء فيجب أن نقول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، اتق الله واذهب إلى مصلى المستشفى وصل وادع الله أن ينجي ولدك.
- هز الأب كتفه ساخراً وقال: ما أسهل الموعظة عندما تمس شخصاً آخر لا يمت لك بصلة..!
دخل الطبيب إلى غرفة العمليات واستغرقت العملية عدة ساعات. خرج بعدها الطبيب على عجل وقال لوالد المريض: أبشر يا أخي فقد نجحت العملية تماماً والحمد لله، وسيكون ابنك بخير والآن اعذرني فيجب أن أسرع بالذهاب فوراً وستشرح لك الممرضة الحالة بالتفصيل.
حاول الأب أن يوجه للطبيب أسئلة أخرى ولكنه انصرف على عجل.
انتظر الأب دقائق حتى خرج ابنه من غرفة العمليات ومعه الممرضة فقال لها الأب:
ما بال هذا الطبيب المغرور لم ينتظر دقائق حتى أسأله عن تفاصيل حالة ولدي؟
قالت له وبألم: لقد توفي ابن الدكتور سعيد يوم أمس إثر حادثة، وقد كان يستعد لمراسم الدفن عندما اتصلنا به للحضور فوراً، لأن ليس لدينا جراح غيره، وها هو قد ذهب مسرعاً لدفن ابنه، وهو قد ترك حزنه على ولده كي ينقذ حياة ولدك!
ليست الأمراض في الأجساد فقط، بل فيِ الأخلاق، لذا إذا رأيت سيئ الخلق، فادع له بالشفاء واحمد الله.
لا تحكم على أحد قبل أن تتيقن من حكمك، لا تحكم على أحد.