نستكمل اليوم حديثنا بإلقاء الضوء على دور الوزارات والمؤسسات المعنية في هندسة السياسة الخارجية البحرينية.
فهندسة السياسة الخارجية ليست مقصورة على وزارة الخارجية، بل إن هناك جهات أخرى في المملكة تشارك في هذه العملية. فعلى سبيل المثال، نجد أن وزارة الخارجية تتولى ملف حقوق الإنسان الذي أخذ حيزاً كبيراً في السياسة الخارجية البحرينية في السنوات الأخيرة، إلا أن اللجنة العليا التنسيقية لحقوق الإنسان التي يترأسها وزير الخارجية تضم ممثلين عن عدة جهات كوزارة الداخلية ووزارة العدل والمجلس الأعلى للمرأة.
ولا يمكن أن يتم رسم السياسة الخارجية بمعزلٍ عن الشأن الاقتصادي، وهنا تأتي أهمية دور مجلس التنمية الاقتصادية في المرحلة المقبلة. فقد قام المجلس - بناءً على توجيهات صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية - بوضع الخطة التشغيلية لعام 2016 والتي تهدف إلى زيادة الاستثمارات التي تستقطبها المملكة مع التركيز على الأسواق المجاورة والإقليمية وكذلك الترويج في الأسواق العالمية المستهدفة. إلا أن نجاح المجلس مرهونٌ بعدة عوامل من بينها خلق حلقة وصلٍ واضحة وفعالة مع الوسط التجاري. فالتجار يشكلون الحراك الاقتصادي في كل دولة، وتبقى الدولة هي صاحبة السيادة والريادة. ومن العوامل التي تسهم في نجاح المجلس استقرار التشريعات الاقتصادية في البلاد، واتخاذ الخطوات الأولية للاستخدام الفعلي للطاقة المتجددة، وتوظيف القوى العاملة الوطنية توظيفاً جيداً في ظل استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وإجراء الدراسات اللازمة على أيدي خبراء اقتصاديين بحرينيين أكفاء.
ومن المهم أن تكون ملفات السياسة الخارجية متوازنة ومتناغمة ببعضها. فمن غير المتصور أن يأخذ الملف الحقوقي حيزاً أكبر في السياسة الخارجية على حساب ملفات أخرى كالملف العسكري والملف الأمني والملف الاقتصادي والملف القضائي والعدلي، لأن إدارة السياسة الخارجية على هذا النحو تدفع بلادنا إلى الوراء وتخرجها من المسار الذي رسمته الرؤية الاقتصادية 2030.
وبالنسبة للاتفاقيات متعددة الأطراف، فإنه من الضروري أن يتم التشاور مع دول مجلس التعاون ودول أخرى متعاونة قبل التوقيع أو المصادقة على الاتفاقيات. فمعظم الاتفاقيات - وأخص بالذكر الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان والاتفاقيات المعنية بأسلحة الدمار الشامل - تنص على آليات لمراقبة الدول الأطراف عند تنفيذها لأحكام الاتفاقية، والسبيل الوحيد لمواجهة العقبات والعثرات التي تتعمد بعض الدول خلقها يكمن في تشكيل تكتلٍ مع الدول التي تجمعها المصالح المشتركة والمواقف الموحدة وذلك من خلال الأمم المتحدة أوالمنظمات الدولية ذات الشأن. ومن الخطوات الأولية نحو التوقيع أو المصادقة على الاتفاقيات التعرف على الدول الأطراف في الاتفاقيات وكذلك الدول التي اكتفت بالتوقيع دون أن تكون تلك الاتفاقيات نافذة بالنسبة إليها. ولا يتوقف إجراء تلك الدراسة عند هذا الحد، بل يجب الاطلاع على مضامين التحفظات التي أبدتها الدول، ويمكن الإطلاع على تلك المعلومات من خلال الرابط التالي:
(https://treaties.un.org/Pages/ParticipationStatus.aspx)
كما أنه يجب أن يتم تهيئة الأرضية المناسبة لتنفيذ أحكام الاتفاقيات المُصادق عليها، ولعل من أبرز الاتفاقيات التي انضمت إليها مملكة البحرين مؤخراً والتي تحتاج إلى أرضية صلبة لتنفيذها معاهدة إلغاء شرط التصديق على الوثائق العامة الأجنبية أو كما تعرف باتفاقية أبوستيل «Apostille». وللحديث بقية..