ذكرنا في المقال السابق أن على المعنيين في وزارة الخارجية أن يضعوا في اعتبارهم العوامل الخارجية عند هندسة السياسة الخارجية لمملكة البحرين في الحاضر والمستقبل، وتحدثنا عن المملكة العربية السعودية وكذلك التحالف الآسيوي. أما اليوم فسنستكمل حديثنا عن عوامل خارجية أخرى جديرة بالاعتبار.
ففي إيران، تتجه الأنظار صوب انتخابات مجلس خبراء القيادة التي ستجرى في شهر فبراير المقبل، ولعل من أبرز المهام التي يباشرها هذا المجلس اختيار المرشد الأعلى وكذلك عزله. إلا أن نتائج انتخابات المجلس المذكور لن تغير سياسات إيران تجاه دول المنطقة وكذلك سياساتها تجاه القوميات غير الفارسية في إيران حتى وإن تمكن التيار الإصلاحي -أي جماعة الرئيس الأسبق محمد خاتمي ومير حسين موسوي ومهدي كروبي- من الفوز بأغلبية المقاعد في مجلس الخبراء. ولعل من أكثر التصريحات إثارةً في الآونة الأخيرة التصريح الذي أدلى به علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى وكان وزيراً لخارجية إيران من عام 1981 إلى عام 1997، حيث قال إن «تدخلنا في سوريا يأتي بدافع قومي، وهذا ينطبق على العراق أيضاً».
وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، فقد بدأت سياستها الخارجية تفقد رونقها شيئاً فشيئاً مع ظهور قوى جديدة في الساحة الدولية كما أسلفنا، وقيام روسيا باستقطاب دول المنطقة والمساهمة بشكلٍ أساسي في القضايا الدولية المهمة كالقضية السورية والقضية الأوكرانية. وهناك مؤشرات لفوز هيلاري كلينتون -وزيرة الخارجية خلال أحداث عام 2011- برئاسة الولايات المتحدة ما لم تتعرض لنكسة تضع حداً لمستقبلها السياسي. وبالنسبة لوضع حقوق الإنسان هناك، فقد أخذ منعطفاً خطيراً نظراً للاضطرابات التي شهدتها بعض الولايات والتي اتخذت طابعاً عرقياً مما يشكل تحدياً حقيقياً لقانون الحقوق المدنية الذي صدر في عام 1964.
وفيما يخص البيان السنوي المشترك بشأن البحرين، فقد طالبت عدة دول في بيانٍ مشترك صادر في عام 2014 -تلاه المندوب السويسري لدى الأمم المتحدة بالنيابة عن تلك الدول- مملكة البحرين بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي ينص على إلغاء عقوبة الإعدام رغم أن بعض الدول الموقعة على البيان المشار إليه أعلاه مازالت تطبق عقوبة الإعدام. كما طالبت تلك الدول الإفراج فوراً عن الأشخاص المحكوم عليهم في قضايا أمنية واعتبرتهم «مدافعين عن حقوق الإنسان». وطالبت الدول ذاتها بفتح مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في البحرين بحيث يتم منح هذا المكتب صلاحيات واسعة بهدف مراقبة وضع حقوق الإنسان في البحرين على حد زعم تلك الدول، وهذا يشكل تعدياً على سيادة البحرين وكرامة أهلها. ومن الغريب أن يصدر بيانٌ كهذا من دولٍ خرقت المواثيق والمعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان تحت ذريعة مكافحة الإرهاب. كما أن عدداً من تلك الدول لم تتخذ أية إجراءات صارمة تجاه الجماعات والمؤسسات التي تعمل على ازدراء الأديان والأعراق، ولعل من أبرز حالات الازدراء نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم عليه الصلاة والسلام. وبالنسبة لسويسرا التي تلا مندوبها البيان المشترك، فقد نصت المادة «72» من الدستور السويسري على حظر بناء المآذن.
وعليه يتعين علينا أن نشعر تلك الدول بأن البحرين دولة ذات سيادة بعيداً عن البيانات الخجولة، وأن على تلك الدول أن تحترم سيادة بلادنا وأن تعمل على خلق علاقات دبلوماسية طبيعية حفاظاً على مصالحها. وللحديث بقية..