الهوس الإيراني بالمنطقة العربية لم يعد يخفى على أحد، بل إن الإعلام الإيراني نفسه خصص صحفاً ووكالات ناطقة باللغة العربية لنقل ما يجري في العالم العربي بـ«عين إيرانية»، مثل صحيفة «الوفاق»، ووكالتي «إرنا» و«فارس» للأنباء، وهذه الأخيرة خصصت تصنيفاً أطلقت عليه اسم «العالم الإسلامي» ولكنه في الحقيقة اشتمل على ثماني دول جميعها عربية ومنها البحرين، وهذا يؤكد سياسة إيران المتجهة، وبقوة نحو المزيد من التدخل في العالم العربي. ولو تمعنا النظر في مجريات الأحداث التي تعصف بالمنطقة فبالتأكيد نرى وضوح التدخلات الإيرانية فيها، بمعنى آخر أن تلك التدخلات لم تجلب للوطن العربي سوى المشاكل والدمار لكل دولة حشرت إيران أنفها فيها، والسؤال يبقى ماذا ستكون إيران بعد خمس سنوات من الآن في ظل استمرارها التدخل في الشأن العربي؟ خاصة وأن تلك التدخلات تحصل أمام مرأى ومسمع من العالم ولكن هذا العالم ليس لديه موقف حازم تجاه تلك التدخلات. إيران لم تكن لتتجرأ أن تطأ موطئ قدم في أرض العرب لولا وجود بعض المغرر بهم من السذج الذين دفعتهم إما مصالحهم أو انتماءاتهم لأن يرضوا بوجود مثل تلك التدخلات على أرضهم، وهذا ما دفع نظام مثل بشار الأسد لأن تستباح أرضه من إيران للحفاظ على كرسي الرئاسة، وهذا ما دفع الحوثيين لقلب الشرعية في اليمن، وهذا ما دفع روسيا لجر قدمها نحو التدخل هي الأخرى في المنطقة بمباركة النظام السوري وبرضا إيراني ولعودة المجد الروسي على حساب العرب، وقس على تلك الدوافع دولاً عربية مثل الكويت والعراق والمنطقة الشرقية من السعودية، بالإضافة إلى البحرين. وأعتقد أن الدول العربية مطالبة بالتعامل بحزم أكبر تجاه هذا المد الإيراني الذي لن يهدأ له بال إلا بعد تحقيق أهدافه والمتمثلة في بسط نفوذ إيران في المنطقة وتضييق الخناق على العرب، وإن كانت هناك محاولات ملموسة وشجاعة من العرب لوقف النفوذ الإيراني مثل «عاصفة الحزم» و«عودة الأمل» في اليمن، ومؤخراً إنشاء التحالف العسكري الإسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية. لكن لا يجب أن يقف الأمر فقط عند الشأن العسكري مع أهميته الكبرى، فلابد أن يتعدى ذلك إلى الشؤون الأخرى خاصة الاقتصادية والسياسية، لتشكل بذلك عناصر ضغط على إيران التي وبحسب خبراء اقتصاديين فإن رفع العقوبات عنها من شأنه أن يعيد ترتيب ملامح خارطة الاستثمار في المنطقة بكاملها، ويعني جذب استثمارات عربية إلى إيران تتراوح بين 600 و800 مليار دولار خلال العقد المقبل، وهذه الاستثمارات العربية ستنعش الاقتصاد الإيراني وستزيد من حجم دخلها القومي، وبالتالي فإن ذلك الأمر سيدفع إيران نحو ضخ المزيد من الدعم لأذرعها المنتشرة في بعض الدول العربية لتنفيذ أجندتها بأريحية تامة خاصة مع توفر الميزانية اللازمة لذلك، ولنا أن نتصور إن كانت إيران تتدخل الآن في الشأن العربي وهي «المترنحة» مالياً، فما بالكم عندما ينتعش اقتصادها وترتفع ميزانيتها فكيف سيكون حجم تدخلها في الدول العربية وبالذات الخليجية؟ وكل ذلك بسبب العرب إن رضوا بتقديم استثماراتهم لإيران. لذلك ومثلما كان هناك «حزم» عسكري، فلابد أن يكون حزم اقتصادي أيضاً، فلا نضرب أنفسنا بإيران من خلال تعاوننا الاقتصادي والتجاري معها، فلا يعقل أن تكون لدينا مشاكل مع إيران ثم نأتي ونوقع اتفاقيات تجارية معها، ونساهم بشكل «غير مباشر» في مدهم بالأموال اللازمة لمساعدتهم في تخصيص جزء كبير منها لتنفيذ أجندتهم الاستعمارية أو الإقصائية التي لن تجلب لدولنا العربية سوى المزيد من المتاعب والمشاكل، لذلك فإن الضغط الاقتصادي كفيل بردع أي قوى تحاول النيل من حريتنا ومن مكاسبنا، وعلينا في الوقت ذاته ألا نضرب أنفسنا بأيدينا من خلال تعاوننا الاقتصادي مع من يسعون للنيل من مكتسباتنا. وليعلم الجميع أن الدول العربية إن اجتمعت على أمر فلن يقدر كائن من كان على وقفه، والعكس صحيح، فتخاذلنا وتقوقعنا على أنفسنا وتنافرنا هو من يترك للآخرين فرص التدخل في شؤونا الداخلية تحت مسميات صحيحة في ظاهرها فقط كحقوق الإنسان والحريات.