الاعتذار شيمة الأقوياء والشرفاء والأوفياء، شيمة الإنسان المؤمن الحقيقي، الواثق بقوة إيمانه، في كل الظروف والأوقات والأحداث، فمن لا يعتذر عن خطأ قام به، حتى من دون قصد، فهو يعبر عن مساحة الجهل الذي يتمتع به، ولا يغفر له حتى لو كان متحدثاً باسم الدين.
الاعتذار يوضح معدن الرجال والنساء أيضاً، فكل شخص عليه أن يعتذر عن أي خطأ يرتكبه سواء عن قصد أو غير قصد، وإلا كان مصاباً بداء الجاهلية، هذا الداء الذي لم يستطع أن يتخلص منه، حتى وهو المسلم الذي منّ الله عليه بنعمة الإسلام، أو بعد دخول الإسلام، وتحضرني بهذه المناسبة قصة اعتذار مهمة، ذكرها لنا التاريخ، وقدمها لنا كعبرة علينا أن نستفيد منها ونجعلها قلادة في أعناقنا على مدى مسافة الحياة التي نسيرها في العمر، قصة توضح معنى الاعتذار، دون المرور على صحتها أو عدم صحتها، هذه القصة، كما يقول الباحثون، ذكرها الإمام الغزالي في «إحياء علوم الدين»، ولم يذكر لها إسناداً ولا مستنداً. لهذا لا يعتد بها كحديث من الأحاديث النبوية، فما لا مسند له، لا صحة له. ومرادنا هنا هو الحكاية وما تروم له من إيصال موقف ما، من عمل ما، حدث أو لم يحدث، المهم هو الزبدة منها، تقول الحكاية إنه اجتمع الصحابة في مجلس لم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام فجلس خالد بن الوليد وجلس عبدالرحمن بن عوف وجلس بلال بن رباح، وجلس أبو ذر وكان أبو ذر فيه حدة وحرارة فتكلم الناس في موضوع ما، وتكلم أبو ذر وقال أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا.
قال بلال: لا.. هذا الاقتراح خطأ.
فقال أبو ذر: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني.
فقام بلال مدهوشاً غضبان أسفاً.. وقال: والله لأرفعنك لرسول الله عليه الصلاة والسلام.. واندفع ماضياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ووصل للرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله أما سمعت أبا ذر ماذا يقول في؟
قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك؟
قال بلال: يقول كذا وكذا.
فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر فاندفع مسرعاً إلى المسجد.
فقال: يا رسول الله.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قال عليه الصلاة والسلام: يا أبا ذر أعيرته بأمه.. إنك امرؤ فيك جاهلية.
فبكى أبو ذر وأتى الرسول وجلس وقال يا رسول الله استغفر لي.. سل الله لي المغفرة ثم خرج باكياً من المسجد، وأقبل بلال ماشياً فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب، وقال: والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك أنت الكريم وأنا المهان! فأخذ بلال يبكي واقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا.
في الإسلام، وفي كل الأديان الموحدة، لا فرق بين إنسان وإنسان، بين لون ولون، بين لغة ولغة، فكلنا عبيد الله على أرض الله، نعيش كما أراد لنا العيش.
إن رأيت من يسب ويشتم ويكره ويحقد، هناك طريقة واحدة للتخلص من الأثم، ابتعد عنه، فقط ابتعد.