ما زالت ذاكرتنا الشعبية، خاصة بالنسبة لجيل المخضرمين، تحمل الكثير من الكلمات التي تعاطيناها في يوم من أيام في هذا العالم، إبان مرحلة طفولتنا الشاهقة بامتصاص ندى الفرجان، نسينا بعضها والبعض الآخر جاءت حركة التاريخ وحذفتها من التداول، والبعض الثالث، ضاع كما تضيع الكثير من الكلمات بفعل انعدام استخدامها، تحت قانون الاستعمال. الأخ والصديق جاسم محمد بن حربان، واحد من الباحثين في تراثنا المحلي إلى حد الهوس، ويعمل دائماً على حفظه من الضياع في ركام الحياة التي لا تتوقف عن التغيير.
وآخر إصدارته الجميلة كتاب «مفردات بحرينية في الثقافة الشعبية»، يتحدث فيه عن عشرات الكلمات التي نستخدمها ويرجعها لأصولها العربية أو الدخيلة على البحرين.
ولأن البحرين بطبيعتها، منذ بداية التاريخ، بدت كميناء للعالم، وملتقى لكل المسافرين في بحار العالم، الذين ينشدون الاستقرار لبعض الأيام ومن يواصلون أسفارهم إلى حيث يريدون، فإنها استقبلت الكثير من اللهجات والعادات والثقافات والفنون، ممن يقيمون فيها لبعض الوقت، فقام الإنسان البحريني، الذي من طبعه هضم ما يأتي إليه من فكر وثقافة وكلمات، ببحرنتها وجعلها جزءاً من تراثه الثقافي والروحي والفني. وتحويل حتى الأكلات البعيدة عنه، إلى أكلات خاصة به، تحمل نكهته الخاصة، مثل التكة الإيرانية أو السمبوسة الهندية أو الحلوى العمانية.
من هنا يكون للمفردة التي يتكلم عنها الباحث جاسم بن حربان طابع خاص ونكهة مميزة.
يقول في مقدمة الكتاب:
المحرق في تاريخها الطويل المحاكي لفترات الغوص تكوّن مساراً جديداً موحداً لأهل هذه الجزيرة العربية ـ فالمحرق هي قبة الكثير من القبائل العربية وموطنها، وهي المركز، والعاصمة وبيت الحكم الخليفي، وهذا ما يجعل الباحث في غاية السعادة وهو يتعامل مع مفردات أصولها عربية، مع اعتقاد الكثير من الناس أن تلك المفردات ليس لها أي أصول عدى إرجاعها للإنجليزية والهندية والإيطالية والتركية وغيرها من اللغات غير العربية، لكنني في نفس الوقت أردت تدوين بعض المفردات الأجنبية الشائعة الاستعمال في البحرين حتى يتعرف عليها المجتمع، ثم إن في هذا الوطن العزيز الكثير من اللهجات والتي هي في الأصل ترجع للغة الضاد، اللغة العربية الأم. تتوزع هذه اللهجات على القرى والمدن البحرينية بشكل يثير الاهتمام، فأهل المنامة لهم لهجة مغايرة لهم عن سفالة أو الخارجية من جزيرة سترة. ومغايرة لقرية جنوسان من المحافظة الشمالية وهكذا، وهذا يرجع في المقام الأول إلى تعدد اللهجات عند القبائل العربية، فليس بغريب أن تنطق بعض القبائل العربية حرف الفاء بدل الثاء أو حرف الدال بدل الهاء وهكذا، فالقرآن الكريم دليل ثابت على ما كانت عليه القبائل العربية من تنوع في النطق ببعض المفردات المغايرة لما هو سائر عند غيرها من القبائل العربية الأخرى.
إنني في الوقت الذي أشد فيه بحرارة المحب على يد الباحث جاسم بن حربان بإصداره الجديد «مفردات بحرينية في الثقافة الشعبية»، لا أنسى جهود الباحثين البحرينيين المخلصين والذي أذكر منهم الراحل خالد البسام، والباحثين الذين انتظر أن يتحفونا بما يملكون من دراسات تاريخية أو في التراث الشعبي وأخص منهم الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، ومحمد جمال، ومبارك العماري، وعبدالعزيز صويلح، والدكتور إبراهيم غلوم، وغيرهم من الذين لا تحضرني أسماؤهم الآن.