نشرت الوطن «أمس» نتائج استبيان لدراسة طبقت على عينة بلغت 154 سيدة، جاءت مؤشراتها لتبين وجود 77.7% تعرضن لتحرش «لفظي» و14.6% أرقتهن الإيذاءات الجسدية، وقصص جريئة تبين وجود خلل أخلاقي وتربوي يستوجب المعالجة.
لماذا وصلنا في مجتمع مسلم خليجي محافظ إلى الحديث عن مثل هذه المشاكل، لماذا تطرح علناً في الصحف بعد أن كانت قضايا مسكوت عنها وبالكاد يجاهر بها، لماذا كانت مثل هذه القصص مثار جلسة حديث عابرة عن فلان أو فلانه دون التعميم ودون وضعها في صيغة الهم الاجتماعي، ونزيد في التساؤل أيضاً: لماذا كانت هذه المشاكل في الظل لتصبح اليوم في العلن؟
للأسف نعيش التناقضات في دواخلنا، فالرجل الغيور على بيته هو من يحاول التحرش بحرمات غيره، ومن يجاهر بالتدين أو التمسك بالعادات والتقاليد والحشمة هو من يحاول العبث بذيله في الخفاء، وبالمثل نجد النساء من تستهل «الضحكات» و«المزاح» و«الوتسبات»، وتجدها وسيلة تجعلها مقبولة أو جذابة من جهة أو وسيلة للوصول إلى أهدافها من جهة أخرى، سواء كانت هذه الأهداف غض الطرف عن مخالفات أو تجاوزات أو تقصير أو حتى الوصول إلى ترقية أو منصب.
هي ليست أحاديث من وحي الخيال، هي قصص نسمعها هنا وهناك ولكن لماذا تزداد، لماذا تصبح حالة عامة بعد أن كانت حالات خاصة تذكر بين الفينة والأخرى؟ إنه العالم المفتوح، إنها التقنية التي سهلت التعبير عن ما كان يصعب قوله مباشره في السابق، فمسج عابر قد يحمل في معانيه الكثير، والكلمات الطائرة تحمل بين سطورها معاني كثيرة تقع في قلب الضعيف وتؤثر فيه، إلا من رحم ربي.
لنكشف المستور، كم منا يعيش التناقض، كم منا يحمل وجهين أحدهما أمام أسرته والآخر في الخفاء في عالمه الخاص، كم منا يتستر على أخطاء يتلذذ بها ويجدها مصدر سعادة وفرح، ومن منا يراقب نفسه في نطق الكلمة والضحكه والمسج العابر بخلاف أسلوب التعامل العام.
الرقيب الذاتي أولاً، الرقيب الذاتي هو الأساس، هذا المقياس الذي نزرعه في أبنائنا والذي يتحدث عنه خبراء التربية، هذا الرقيب الذي يساعد الطفل على قياس أفعاله، فكيف بالكبار!، فمتى ما صحى هذا الرقيب ستكون تصرفاتنا طاهرة، ومتى ما دخل في سبات ستكون العواقب وخيمة.
لنتمسك بجوهر الدين الحنيف، لنتمسك بالعادات والتقاليد، وبالأخلاق والسنع، لنكسر الجسور التي تسهل التواصل غير المحسوب، ولنمنع كل ما يعكر صفو حياتنا، ويشوه قيمنا الاجتماعية الأصيلة، فمجتمعنا جميل بعلاقاته الانسانية النظيفة، التي لا تخرج عن إطار الأدب والقيم، فلنزرع في الأجيال القادمة النفس القديم في التعامل الإنساني الراقي، والأهم أن لا نشوه مجتمعنا الجميل بمثل هذه الأمور.
إن الحديث عن المشاكل الاجتماعية يأخذنا للحديث عن خطط مواجهة وعلاج، خطة واضحة تبدأ من المنزل، لتوضع في المناهج الدراسية ومن ثم تكون الشغل الشاغل للجمعيات والأندية، خطة واضحة تكون بمثابة الهدف المجتمعي الذي يراد من ورائه التصحيح والتقويم، لا السكوت والانصياع، فالصمت آفة، وكسره هو بداية للتغيير، وهو اشهار للرفض ووضع حدود الردع.