الإنسان، أي إنسان، يظل هشاً، ضعيفاً، متردداً، مرعوباً، أمام الظروف القاسية التي يعيشها، ولذلك من الممكن تحويله عن طريق وضعه في حالة نفسية سيئة، وتدميره وهو جالس في مكانه، من غير فعل أي شيء.
وقبل فترة قصيرة، قرأت في «جروبات التواصل الاجتماعي» عن إحدى القصص الجديرة بالتأمل، والتي قتل فيها 100 جندي أمريكي، دون إطلاق رصاصة واحدة.
تقول الحكاية، أو القصة، إنه بعد انتهاء حرب أمريكا مع كوريا، قام الجنرال وليام ماير المحلل النفسي في الجيش الأمريكي بدراسة واحدة من أعقد قضايا تاريخ الحروب في العالم، فقد تم أسر وسجن حوالي ألف جندي أمريكي في تلك الحرب في كوريا، وتم وضعهم داخل مخيم تتوفر فيه كل مزايا السجون من حيث المواصفات الدولية، فهذا السجن كان مطابقاً للقوانين الدولية، من حيث الخدمات المقدمة للسجين، ومن حيث معاملته، وهذا السجن لم يكن محصوراً بسور عال كبقية السجون، بل كان يمكن للسجناء محاولة الهروب منه، إلى حد ما، والأكل والشرب والخدمات متوفرة بكثرة، وفي هذا السجن لم تكن تستخدم أساليب التعذيب المتداولة في بقية السجون.
ولكن التقارير كانت تشير إلى عدد وفيات في هذا السجن أكثر من غيره من السجون، هذه الوفيات لم تكن نتيجة محاولة الفرار من السجن لأن السجناء لم يكونوا يفكرون بالفرار بل كانت ناتجة عن موت طبيعي! الكثير منهم كانوا ينامون ليلاً ويطلع الصباح وقد توفوا! رغم أن علاقتهم ببعضهم كانت علاقة صداقة مع اختلاف درجاتهم ورتبهم العسكرية وحتى علاقتهم بسجانيهم كانت علاقة ودية!
لقد تمت دراسة هذه الظاهرة لعدة سنوات وقد استطاع ماير أن يحصل على بعض المعلومات والاستنتاجات من خلال هذه الدراسة وهي:
1- كانت الرسائل والأخبار السيئة فقط هي التي يتم إيصالها إلى مسامع السجناء أما الأخبار الجيدة فقد كان يتم إخفاؤها عنهم.
2- كانوا يأمرون السجناء بأن يحكوا على الملأ إحدى ذكرياتهم السيئة حول خيانتهم أو خذلانهم لأحد أصدقائهم او معارفهم.
3- كل من يتجسس على زملائه في السجن يعطى مكافأة كسيجارة مثلاً والطريف أنه لم يتم معاقبة من خالف الضوابط وتم العلم بمخالفته عن طريق وشاية زميله في السجن وهذا شجع جميع السجناء للتجسس على زملائهم لأنهم لم يشعروا بتأنيب لضميرهم نتيجة تجسسهم وهكذا اعتاد جميع السجناء على التجسس على زملائهم والذي لم يكن يشكل خطراً على أحد.
لقد كشفت التحقيقات أن هذه التقنيات الثلاثة كانت السبب في تحطم نفسيات هؤلاء الجنود إلى حد الوفاة:
1- الأخبار المنتقاة «السيئة فقط»، كانوا يفقدون الأمل بالنجاة والتحرر.
2- حكايتهم لذكرياتهم كالخيانة أو التقصير أمام الملأ والعموم ذهبت باحترامهم لأنفسهم واحترام من حولهم لهم.
3- تجسسهم على زملائهم قضى على عزة النفس لديهم ورأوا أنفسهم بأنهم حقراء وعملاء.
وكانت هذه العوامل الثلاثة كفيلة بالقضاء على الرغبة في الحياة ووصول الإنسان لحالة الموت الصامت.
النتيجة:
* إن كنا اليوم لا نسمع سوى الأخبار السيئة.
* وكنا لا نفكر بعزة انفسنا.
* وإن كنا نحاول أن نسقط بعضنا البعض فنحن نعيش حالة «العذاب الصامت»،
من هنا، نحن نرى بوضوح، كيف تخلى الكثير من الناس عن أحلامهم، وجلسوا ينتظرون الموت في بيوتهم.