نبدأ أولاً بالحديث عن شائعة إفلاس الدولة والتي قيل فيها إنها ستكون غير قادرة على دفع رواتب موظفيها، هذه الشائعة التي يتم تداولها في بعض الرسائل بالتأكيد من يقف وراءها هم أعداء الدولة الذي يسعون لخلخلة ثقة الشعب بدولته، هذا أمر مفروغ منه لأنه هم «أعداء الدولة»، لكن أن يخرج علينا بعض أعضاء مجلس الشورى ويقول أحدهم إن «الوضع يشير إلى دخولنا النفق المظلم منذ مدة، وأسعار النفط الحالية غير كافية لتغطية رواتب موظفي القطاع العام»، فهذا التخمين غير مقبول من مجلس الشورى، الذي كان عليه هو ومجلس النواب أن يعالجوا المشكلات ويقدموا الحلول لتنشيط الاقتصاد، كي تتنوع مصادر الدخل، وذلك حين نشاهد دولاً غير نفطية قادرة على النهوض باقتصادها حين عالجت مشكلات تأخر نموه وتعثره. وها هي البحرين تواجه الكثير من عوائق تأخر نمو الاقتصاد بسبب عدم قدرة بعض مؤسساتها على النهوض بإعادة دراسة القوانين والإجراءات ذات العلاقة بالاقتصاد.
بعض أعضاء مجلس الشورى الذين يصرحون بمثل هذه التخمينات من عدم مقدرة الدولة على تغطية رواتب موظفي القطاع العام، هم أنفسهم بالأمس الذين يؤجلون البت بـ«زيادة» تقاعدهم -هم والنواب- ويحسمون رفض زيادة العاملين بالقطاع الحكومي والعسكري، وهو ما يدل على ازدواجية المعايير، وكذلك عدم شملهم، للتقشف الذي تفرضه الظروف الاقتصادية للدولة.
بالأمس بعض الأعضاء أنفسهم أشاروا إلى قدرة بعض المؤسسات التابعة للهيئات الحكومية، وتعليق أحدهم أن هذه المؤسسة بعينها قادرة على أن ترفع قيمة الدينار الذي تصرفه في مشاريعها إلى 16 ديناراً.. فأين الـ16 ديناراً هذه؟ مجلس الشورى اعترض في السابق على تحويل 50% من إيرادات هيئة سوق العمل إلى ميزانية الدولة، في الوقت الذي ناقش النواب في جلستهم في 12 مايو 2015، إدراج تعديلات على مزاياهم التقاعدية ومنها إلغاء الحد الأعلى لمعاشاتهم والتي تبلغ 4 آلاف دينار، برفع السقف ليتجاوز هذا الحد، وبإضافة 3% كزيادة سنوية، وكذلك مجلس النواب هو الآخر، وفي ظل هذا العجز في الميزانية قدم مشروعاً يتيح للنواب بالحصول على راتب تقاعدي بعد عامين فقط من دخولهم المجلس، هذه الاقتراحات تأتي في وقت العجز الذي تواجهه ميزانية الدولة، وإن تم عدم الموافقة عليها، إلا أنها تكشف عن التناقض الذي يعانيه بعض أعضاء مجلس الشورى والنواب، الذين اليوم بعضهم ينشر -دون أن يقصد- شائعة عجز الدولة عن تغطية الرواتب.
هناك حلول كثيرة لمعالجة تعثر الاقتصاد والنهوض به، لو كانت النوايا صادقة لمعالجته، الملايين تضيع في الشركات الاقتصادية الكبرى، وهناك صمت عن تجاوزات بعض الشركات في مصاريفها، وقد ذكرت في تقارير ديوان الرقابة المالية، وهناك عدم جدية في المحاسبة على تلك المخالفات، ليست مخالفات صغيرة، بل مخالفات كبيرة وصلت إلى حد أن هذه الشركات صارت عبئاً على ميزانية الدولة، مع الإصرار على أن تستمر هذه الشركات بعللها وعدم محاولة إيجاد حلول، بل ما نراه هو العكس أن هذه الشركات والمؤسسات تواصل في إهدارها مئات الملايين المقدمة من الدولة بترقية موظفيها وزيادة مميزاتهم، وتضييع أصولها، وغيرها من ترف ونعيم لا يلفت نظر بعض الشوريين والنواب الذين يدلون بتصريحات في بعض الأحيان تؤدي لخلخلة ثقة الشعب في دولته.