أظهرت لنا التجربة والأيام، أن أداء جل أعضاء مجلس الشورى أفضل من بعض الإخوة في مجلس النواب من حيث التعاطي مع الملفات بخبرة وبطريقة ذكية، رغم أن الشورى قلصت صلاحياته لصالح النواب، وهذا من نتائج حوار التوافق الوطني.
مع كل محبتي لأعضاء النواب، إلا أن هناك ضعفاً واضحاً في طريقة تعاطيهم مع ملفات تمس معيشة الناس، حتى إن بعضهم أصبح يتقلب من اليمين إلى الشمال، وأصبح بصاماً من بعد أن كانت له مواقف قوية.
في موضوع الدين العام والميزانية العامة، كانت مواقف أعضاء الشورى أكثر قوة وأكثر معرفة بتفاصيل الملفات وأماكن الإمساك بتلك الملفات من نظرائهم في النواب، بصريح العبارة أصبح بعض أعضاء النواب مثل لاعبي خط الوسط، تأتيهم الكرة من الدفاع، ويمررونها للأمام، وتطلع تسلل بعد..!
في مجلس الشورى بقى السجال قائماً منذ فترة بين الأخ جمال فخرو، والأخ وزير المالية، رغم أن فخرو كانت له مواقف أكثر قوة من هذا الموقف، إلا أنه يحسب له أنه تحدث بصراحة وهو في مجلس معين ومنزوع الصلاحيات.
فقد كانت هناك مساجلة شهيرة بين فخرو ووزير المالية على خلفية اقتراض «المليار» إبان الأزمة رغم أن البحرين خرجت من الأزمة في ظرف شهرين، وتلقت دعماً خليجياً، وهذا المليار الذي قاله عنه في ذلك الحين وزير المالية إنه كان تحسباً للظروف ومن أجل أن تكون لدى الدولة سيولة إذا ما استمرت الأزمة..!
النقطة التي ركز عليها فخرو في مداخلته هي مداخلة واقعية، وقد طرحناها هنا ذات مرة، وهي تقليل بند المصروفات، فحين لا تملك مداخيل عالية، يجب أن تخفض إنفاقك، هذا أمر يعرفه حتى الإنسان البسيط الذي يقترض من البنك قرضاً شخصياً.
ويبدو أن في هذا البند أموراً لا تخفض إطلاقاً، ولا تمس، والتخفيض يمس الصغار من الموظفين أو الشريحة الوسطى، وهذا لن يوفر الكثير، فإذا أردت أن تبدأ بداية حقيقية عليك أن تقلص الإنفاق العالي، هذا هو الذي يوفر السيولة المالية للدولة.
كما أن الأخت الفاضلة دلال الزايد أيضاً قالت في مداخلتها عن الوضع الحالي إن مركز المستثمرين يحتاج إلى «نفضة» وإن على الدولة أن تستغل الجانب السياحي لتنمية المداخيل، وهذا كلام صحيح تماماً، إلا أن الذي يجب أن يطرح في المجلسين هو موضوع المشاريع السياحية العائلية التي تستقطب السائح الخليجي ونحن في وسط الخليج.
ونحتاج إلى تنمية المداخيل من خلال السياحة، في الوقت الذي مازال اعتمادنا على سياحة الفنادق والمجمعين التجاريين ودور السينما وبعض هذه الأنشطة لا يجعل السائح ينام ليلة واحدة في البحرين، فلا يوجد شيء، وهو يأتي إلى السينما ويذهب.
حتى نرى الصورة أبعد من هذا الواقع، وكيف تعمل دول مجاورة وهي دول نفطية ولديها مداخيل وصناديق احتياط وصناديق استثمار (ونحن لدينا صندوق صغير لاحتياطي الأجيال، والعين عليه، والأيادي عليه) وهذه الدول تستقطب مستشفيات عالمية أمريكية وألمانية وفرنسية وبريطانية وتايلندية، ونحن نتفرج على كل هذا المشهد.
في الإمارات أعلن قبل أيام أن مساهمة السياحة في الناتج المحلي بلغ 25 مليار دولار، وهذا المبلغ يكفي ميزانية البحرين لعامين، ويسدد قروضها، لكننا ونحن في وسط الخليج لا نستغل السياحة، ولا نفتح السواحل في العاصمة أمام الناس والزوار، وبالتالي يأتي السائح إلى جزيرة ولكنه لا يرى البحر إلا حين يعبر الجسور، وهذه طامة كبرى.
أعود لما طرحه الأخ جمال فخرو وأقول إنه بالإضافة إلى تقليل المصروفات وتقليل الإنفاق فإن هناك أموراً أصبحت خارجة عن إرادة الدولة حين زاد عدد السكان بشكل متسارع وكبير، وبالتالي زاد الإنفاق بذات الشكل على الخدمات، وعلى الإسكان وعلى التعليم والصحة والأشغال، وهذا من ضمن الأمور التي لا يطرحها أحد.
من هنا يتضح أن هناك ثاثوثاً كان خفياً بعض الشيء حين كانت أسعار النفط مرتفعة، وحين انخفضت الأسعار ظهر جلياً وواضحاً للاقتصاديين وأهل البلدان وهو ثالوث «عدم تنويع مصادر الدخل، والتجاوزات المالية، وزيادة عدد السكان بشكل كبير».
كل هذا ساهم بشكل كبير ووضح فيما وصلنا إليه اليوم من حالة فوضى مالية، حتى إن بعض المسؤولين أخذ يناقض تصريحاته في غضون شهر واحد، فهناك من قال إذا استمررنا على هذا الوضع لن نستطيع أن نفي بالتزام الرواتب.
احنا فعلاً في حيص بيص، ولا نعرف ما هي الحقيقة، وكل شيء مخفي عن النواب والشوريين والإعلام والناس، غير أن كل اللوم على السلطة التشريعية في غرفة النواب، هم الذين يملكون إخراج الحقيقة لكن بوضعهم الحالي لا أعتقد يستطيعون.
** رذاذ
88 مليون دينار لمناقصات النظافة في البلديات «الظاهر انتو تنظفون روسيا» و37 مليون دينار لتنظيف مباني وزارة التربية ومدارسها لأربعة أعوام، وهذا يعني أن مبلغ 125 مليون في بند النظافة لوزارتين فقط، وبالدينار وليس الدولار، ناهيك عن بقية الوزارات..!
بصراحة حسستونا أن البلد طالعة من حرب، ملايين تضخ في بنود كان يجب أن تكون أقل من هذا الرقم بكثير، لكن ماذا نقول..؟!!
الذي يريد أن يخفض المصروفات ويقول سيبدأ بنفسه، عليه أن يفتح هذه الملفات، وانظروا كيف تضيع ملايين في غير مكانها.
أغلب مدارس التربية بها صفوف خشبية وأعداد الطلبة فيها كبير، ونضع 37 مليوناً من أجل النظافة.. لا أحد يسمع لصوت الناس في هذا الوطن.. «ألووو الشبكة وين..»..؟!