سقوط عبدالرؤوف الشايب في بريطانيا وسجنه بتهمة الإرهاب التي أثبتت عليه، ليست نهاية المطاف بشأن «مرتزقة إيران» في لندن، كما ذكرنا بالأمس، بل هي كما توحي الأمور تنذر زملاءه هناك بأن الدور عليهم عاجلاً أم آجلاً.
هم استوعبوا خطورة الموضوع، وأن المسألة ليست مرتبطة بالشايب فقط، وترجموا ذلك من خلال تعليقات على الموضوع، وهو خطأ كبير وفادح ارتكبوه، خاصة إظهارهم التعاطف معه، إذ كل ما يرتبط مع الشايب الآن بالأخص من جماعات وأفراد عليهم «شبهات» بشأن معيشتهم في لندن، كل هؤلاء هم تحت الرادار الآن. بريطانيا تمتلك جهازي استخبارات وليس واحداً، وكل جزء منه متطور لدرجة لا يمكن تصورها، بحيث إنك في لندن تكون موقناً تماماً بأن خط هاتفك يمكن أن يكون مراقباً وبسهولة، بل ووجهك يظهر مرتين أقلها في اليوم على شاشات المراقبة الموصولة بأكثر من 5 ملايين كاميرا تلتقط كافة الزوايا.
سقوط الشايب ما هو إلا بداية متوقعة لسقوط بقية «أحجار الدمينوز»، والأخيرة لا تسقط جميعها بمجرد سقوط القطعة الأولى، إلا إذا كانت جميع القطع موصولة وقريبة من بعض، وفي مثل هذه الحالة، فإن الشايب ليس بمعزل عن نشاطات أصحابه من سعيد الشهابي وعلي مشيمع وغيرهم ممن ظنوا أن وجودهم في لندن يمنحهم مساحة واسعة للتصرف على أنهم «خلية إيرانية» تستهدف دول الخليج بالأخص البحرين والسعودية.
الصحف البريطانية جميعها أشارت لمرافعات المحاكمة، وبينت أن الشاهد في القضية الوفاقي جلال فيروز أقر دون أن يدري بأفعال الشايب، وأنه نفسه -أي فيروز- يملك تصاميم ورسومات لأسلحة ومعلومات مفصلة، وأنه يمتلك عرضاً مرئياً معداً بهذا الشأن، وكأنه يقول لهم بأنه إرهابي آخر بانتظار التوقيف.
البريطانيون لا يتهاونون فيما يتعلق بأمنهم، لذلك هم يدركون بأن الشايب ما هو إلا فرد في تنظيم يشتبه بتواجده على أرضهم، وبمتابعة عناصره وأفعالهم خاصة تلك التي نشطت مؤخراً عبر استهداف السفير البحريني وبعض المسؤولين البحرينيين، وإقرانها بما يكتبونه على «تويتر» بالأخص وهي المسألة التي تسببت بالقبض على قاسم الهاشمي مقبل رأس الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد وصاحب الآراء والدعوات التي تدعو للقتل صراحة، هؤلاء بمتابعتهم وربطهم بنشاطات الشايب وسفراته يمكن أن يكشف الكثير للبريطانيين.
هؤلاء مطلوبون في البحرين باعتبارهم من المجرمين وعناصر خطرة تدعو للإرهاب وتحض عليه، وتحرك عناصر داخل البحرين لارتكاب جرائم تستهدف رجال الأمن وتسعى لإقلاق الأمن الداخلي. وهنا يتعين علينا تقوية المطالبة بالقبض عليهم وتسليمهم عبر «الإنتربول» الدولي، خاصة وأن وجودهم في بريطانيا قد يعني إضرار المجتمع البريطاني فيما يتعلق بأمنه، فالشايب الذي منح اللجوء قدم نفسه بصراحة على أنه خبير أسلحة ومدرب على العمليات الإرهابية، وأن له زيارات متكررة للعراق ولديه علاقات وثيقة مع عناصر إيرانية في الحرس الثوري.
البريطانيون لن يغفلوا هذه النقاط جميعها، بل أجزم بأنهم يمتلكون معلومات أكثر عن تحرك «مرتزقة إيران» في بلادهم، وبالتأكيد سيكثفون متابعتهم ومحاولة القبض عليهم متلبسين.
هذا الكلام هو ما كنا نردده ونقوله، وتمنينا على الأصدقاء البريطانيين أن يأخذوه بعين الاعتبار، إذ هم ليسوا يأوون لاجئين سياسيين سلميين يريدون عيش حياتهم بسلام، بل يأوون مجرمين محكومين بأحكام قضائية، بعضهم هرب من البحرين بأسلوب اللصوص، وبعضهم حاول أن يقنع السلطات البريطانية بأنه مستهدف. والمفارقة أن هؤلاء لم يتواجدوا بداخل بريطانيا ليعيشوا بسلام وبعيداً عن الظلم الذي يدعون أنه طالهم، بل اتخذوا من بريطانيا موقعاً لإدارة خلايا تستهدف البحرين.
بريطانيا اليوم طالها شيء من ضرر هؤلاء، اكتشفت إرهابياً يستغل وجوده في بلادهم ليخطط للإرهاب ويمارسه إن كان اليوم خارج أرضهم، فغداً لابد وأن يطال الداخل.
الشايب اليوم أثبتت عليه تهمة الإرهاب، وهي تهمة صادرة ومثبتة من المحاكم البريطانية، والتي لا يجرؤ «مرتزقة إيران» في لندن على انتقادها واتهامها بالانحياز والظلم، والأهم هو يعني أن الشايب بات «مجرماً إرهابياً دولياً»، وفي قضية لا علاقة لها البتة بنشاطه الذي يدعيه في حقوق الإنسان أو أنه مطارد من البحرين.
هذا الإرهابي الدولي سبب أزمة حقيقية اليوم لرئيس حزب العمال جيرمي كوربين المعروف بمواقفه المساندة للعناصر الإيرانية داخل لندن، وللأفراد الذين يدعمون الفكر الإرهابي المتطرف ضد دول الخليج. الصحف البريطانية تفننت في الأيام الماضية في نبش ماضي كوربين ونشر صوره مع الشايب، وعنونت بصراحة ما مفاده أن «رئيس حزب العمال صديق للإرهابي الشايب»، وهو عنوان يمثل شيئاً كارثياً بالنسبة للبريطانيين، سواء رجال شارع بسطاء أو رجال سياسة.
الضربة الأخرى تلقاها اللورد إيفبري المعروف بدعمه لهؤلاء المرتزقة، والمشبوهة علاقاته بإيران، وهو الذي اعترف بمعرفته للشايب والبقية منذ عام 2002، وهو من يسهل لهم الحصول على غرف مجلس اللوردات لإقامة فعاليات تستهدف البحرين. إيفبري لم يحضر محاكمة الشايب بل أوفد من يمثله، وهو أمر لم يكن مفاجئاً، إذ هذا اللورد سيحاول باستماتة نفي علاقته بالإرهابي المحكوم، فالفضيحة على هذا المستوى في المجتمع البريطاني تعني الكثير جداً.
سيكون الشايب القطعة الأولى من أحجار الدومينوز التي ستسقط، ولن يفعلها البريطانيون إطلاقاً لأجل البحرين، بل لأجل أمنهم الداخلي فقط.