أنت لا تحتاج إلى شهادات عليا، أو عضلات قوية، أو مركز اجتماعي، أو منصب كبير، لكي تقوم بمهمة عظيمة، بقدر ما تحتاج إلى موقف وقناعة، بما يمكن أن تقوم به من عمل الخير لك وللآخرين، وللمجتمع الذي تنتمي إليه.
فمن أراد أن يصنع فارقاً ما، لا يهتم بآراء الآخرين، أو يتعلل بالظروف الصعبة والضعف وعدم القدرة على الفعل. تحتاج فقط أن تعرف ما تريد وتذهب إليه، بدون تردد. قد تبدأ الطريق وحدك، وقد لا تكون عندك كل الإمكانات التي تحتاجها، قد لا تملك شيئاً يوحي لك بنجاح فكرتك وعملك أو مشروعك، ولكن ثق أن هناك من سوف يقف معك لإنجاز ما تريد أن تنجزه، ما عليك إلا أن تبدأ.
قبل عدة أيام قرأت كغيري عن امرأة بصرية شجاعة موظفة في مكتبة البصرة المركزية هي السيدة عالية محمد باقر استطاعت أن تحدث فارقاً كبيراً وتحمي الخير في بلادها، وقصتها كما يلي:
في مارس 2003 عندما كانت أجواء الحرب تلوح في أفق البصرة ودخلت قوات عسكرية عراقية لتنصب مضادة للطائرات فوق بناية مكتبة البصرة المركزية التي تضم كتباً نادرة وثمينة ومخطوطات قديمة، عندها كانت السيدة الفاضلة تخشى من نسف وحرق التراث العراقي الموجود في المكتبة، فطلبت من السلطة العراقية في البصرة آنذاك نقل الكتب لبيتها لكن تم رفض طلبها، فعندها اضطرت وجازفت بشجاعة، في تهريب الكتب ليلاً، وبمساعدة أهالي المنطقة، وصاحب مطعم، وخباز المنطقة، وهم لا يجيدون القراءة والكتابة، وبعد أن تمكنوا من تهريب 30000 كتاب وذلك بنقلها بستائر المكتبة وبغضون عدة أيام، بعد دخول القوات الغازية، احترقت المكتبة، ولكن الكتب كانت بأمان في بيت الأمينة عالية.
وعرف الجيش البريطاني بما فعلته هذه السيدة العراقية الشجاعة ووصل الخبر إلى الكاتبة الإنجليزية جنيت وينتر عن شجاعة هذه السيدة، ومن ثم قامت السيدة وينتر بكتابة كتاب بشكل قصة أطفال لكي تشيد بشجاعة ووطنية هذه السيدة ولتكون عبرة ومثالاً لأطفال أوروبا وأمريكا.
والآن هذا الكتاب واسمه «موظفة مكتبة البصرة»، يقرؤه أطفال العالم كما صورت القصة بمسرحيات عالمية، أما مكتبة البصرة المركزية فقد أعيد بناؤها، وعندها فقد عادت السيدة عالية ومعها الكتب المحفوظة إلى مكانها، وعينت بدرجة مديرة للمكتبة، حيوا معي هذه المرأة العراقية البصرية الشجاعة.
من هنا أنت تعرف مدى نجاحك قبل أن تخطو أية خطوة، لأن هذا النجاح يتحرك في داخلك، يتحرك في روحك، وكل ما تحتاج إليه هو أن تطلقه، فكل ما يحدث في الخارج، تكون بدايته في الداخل، كل ما تريد أن تراه في الواقع، لابد أن تراه في قلبك. نحن نتاج أفكارنا وأحلامنا وطموحاتنا. نحن ما نصنعه لنا، فإذا كنت تريد أن تصنع فارقاً. اصنعه الآن.
إن الشجاعة الحقيقية هي موقفك من قضية أو حدث ما، والعمل على أن تكون خيراً لك وللآخرين، وهذه المرأة البصرية الشجاعة، التي تكلمنا عنها خير مثال على ذلك، وفي نفس الوقت الذي نرفع لها القبعة، لابد من أن تتحول درساً لنا جميعاً، الكبار، والصغار، والمدارس، والمؤسسات، والشوارع، والمقاهي، والجامعات.