من المعروف أن الصياد، أي صياد، صياد سمك، أو حيوانات، أو طيور، لا يتمكن من صيد أي شيء إلا من خلال الصبر والمثابرة، والمثابرة هي أحد قوانين النجاح الطبيعية التي أكد عليها كل المشتغلين بتربية الذات، وقانون المثابرة يعني القدرة على التحلي بالمثابرة في وجه المحن والخطوب والعقبات والمواقف المخيبة للآمال، هي مقياس إيمانك بنفسك، وهي الصفة الحديدية للنجاح في أي مجال من مجالات الحياة، ولو أنك ثابرت وصبرت مدة طويلة بما يكفي فلابد أن يحالفك النجاح في نهاية المطاف.
وأنا أبحث في موضوع المثابرة، توقفت عند كلمات اللورد روبرت بادن باول مؤسس الحركة الكشفية الذي قال للكوادر العليا من الكشافة «كل حركة تحيا بمبادئها وتفنى يوم تتخلى عنها، كن مثابراً ومصراً على تعليم الفتيان النظام والطاعة المطلقة، اسمح للفتيان بالشغب حينما تترك لهم مساحة لذلك فقط، وهي ظاهرة صحية من وقت لآخر وذلك لممارسة بعض الأنشطة العشوائية وعدم إصابتهم بالكبت، في حياتي الخاصة هناك ثلاث طرق يمكن أن أواجه بها المشكلات بنجاح، وهذه الطرق هي، العمل والعدل وأهم سلاح وهو الحب».
كل هذه المقدمة كانت من أجل أن أحكي لكم قصة عن المثابرة أرسلها الصديق جاسم أمان على الـ»واتساب»: يحكى أن رجلاً أمريكياً يدعى دبليو كي كيلوغ من منطقة باتل تريك في ولاية ميتشيغن، في عام 1894 كان يعمل مع أخيه الطبيب الدكتور جون كيلوغ في مصحة حيث كان يساعده في تحضير مأكولات صحية للمرضى، وبينما كان الأخوان يجريان تجربة على حبوب القمح حصلت حالة طارئة أجبرتهما على قطع التجربة، وبعدما عاد الأخوان إلى مركز العجين كانت الحبوب قد شربت الماء فلاحظا أنها كبرت وتفتحت، مما أدى إلى اكتشاف أول غذاء مصنوع من رقائق القمح تمت تسميته بعدها «الكورن فلكس». بدأ الأخوان ببيع الكورن فلكس بالبريد عام 1899، مما ساعد دبليو كي كيلوغ على تأسيس شركته الخاصة وتصنيع «الكورن فلكس» بشكل واسع عام 1906، ثم توسعت الشركة ووصلت إلى كندا وأستراليا وإنجلترا.
مع أنه وخلال تلك الفترة كانت المنافسة قوية جداً في ظل وجود 42 شركة متخصصة في الحبوب إلا أن دبليو كي كيلوغ نجح في تكوين مكانة رائعة للشركة حيث كان يحمل أفكاراً تسويقية رائعة ومبتكرة، وهو أول من استعمل إعلانات ملونة يمكن استبدالها بعلبة مجانية من البقال.. وابتكر Waxtite وهي طريقة تجعل الأكياس التي تحفظ «الكورن فلكس» صحية ومعقمة لتدوم أطول فترة ممكنة.
تعتبر شركة «كيلوغ» حالياً الأولى عالمياً في صناعة الحبوب المعلبة حيث إن نجاحها وتوسعها في أكثر من 160 دولة اعتمد على استراتيجيات تبناها مؤسسها وكانت معتمدة على الإدارة والتسويق والدعاية الناجحة.
تقول العبرة: إنه بلاشك فإن الصدفة قادت مؤسس شركة «كيلوغ» إلى فكرة «الكورن فلكس»، ولكن بالمثابرة والعمل الجاد ووضع الخطط الناجحة وصل هذا الصنف إلى كل أنحاء العالم ليصبح وجبة الإفطار في أغلب الأحيان وهو الفطور الصباحي المشهور عالمياً ورقم واحد دون منازع.
كل المكتشفات العظيمة والأعمال الفنية الكبيرة التي نراها ونسمعها ونعيشها في حياتنا اليومية، كانت وليدة لمثابرة العلماء والمخترعين والفنانين الكبار. كل التقنيات التي نستخدمها، ومن الكمبيوتر الذي أكتب على شاشته هذا العمود، والإيميل الذي سأرسله إلى المسؤول عن صفحة الرأي، هو وليد المثابرة، من الطبيعي ألا يصل الإنسان من الوهلة الأولى، إلى ما يريد إنجازه، وقد يمر بالعديد من اللحظات التي يصيبه فيها اليأس، ولكنه يتعلم فكل ما يقوم به ليست إلا تجارب توصله إلى النتيجة التي يحلم بها.
هل كانت الديانات تنتشر في العالم لو لم يكن هناك مثابرون يحولون الظروف الصعبة إلى ظروف ملائمة لعملية النجاح. هل كان لكولمبوس أن يكتشف أمريكا لو هو توقف في نصف الدرب وقال إن «الأعاصير حالت دون تقدمي للأمام».
هل أنت ستكون موجوداً لو لم تكن أمك صبرت وثابرت على تحمل الألم، وحلمت بالنتيجة وهي ولادة إنسان جديد يهب الخير إلى الأرض.
بالمثابرة تستطيع أن تحقق ما تحلم، ثابر.. ثابر.. ثابر.