كل يوم العيش فيه على أرض الوطن، هو أجمل الأيام، وأحلى الأعياد، إنها البحرين، أرض الكرام، أرض السلام، هذه مشاعر القلوب التي لم تعشق غير أوطانها، ولم تدين بالولاء إلا لترابها، حب الوطن غريزة وفطرة فطر الله عليها الإنسان، لتبقى أصيلة في نفسه ما لم يمسها تدنيس، ولم يدخل في قلبه أهواء، ولا أطماع، تبقى أصيلة متجذرة كتجذر العروق في جسده، وإن بعد عن وطنه لأي ظرف أو طارئ أو تحتمت عليه الظروف بالعيش في غير أرضه، إنه الحب الذي تغنى به الشعراء والنبلاء والأبطال الذين لم يمنعهم وإن كانوا في رغد العيش في غير بلادهم، أن يعبروا عن حبهم لموطنهم الأول، وها هو عبد الرحمن الداخل عندما رأى نخلة برصافته «رصافة قرطبة التي أنشأها وسماها الرصافة تشبيهاً برصافة الشام التي أنشأها جده هشام بن عبدالملك غرب الرقة»، آثارت فيه هذه النخلة شجونه، فرآها شبيهة به فكلاهما غريب عن وطنه، فأنشد قائلاً:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهي في التغرب والنوى
وطول اكتئابي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرضٍ أنت فيها غريبة
فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي
ظل عبدالرحمن الداخل مقسم القلب بين الأندلس وبين المشرق، فقال في ذلك:
أيها الراكب الميمم أرضي
اقر مني بعضي السلام لبعضي
وها هو أحد الشعراء تستفيض مشاعره عندما يرجع إلى وطنه بعد طول فراق فينشد عندما وصل إلى أطلاله مستذكراً شبابه قائلاً:
وطن النجوم.. أنا هنا حدق.. أتذكر من أنا؟
ألمحت في الماضي البعيد فتى غريراً أرعنا؟
جذلان يمرح في حقولك كالنسيم مدندنا
أنا ذلك الولد الذي دنياه كانت ههنا!
حب الوطن عرفناه منذ وعت عيوننا على الدنيا، وها هو حب الوطن والأرض والتراب يعيش بين ضلوعنا، أنه حب البحرين الذي تغلغل في فؤادنا.
أما حب شعب البحرين لوطنه، فهو قصة عشق ووفاء أبعد مما يتخيله أي عقل، وذلك عندما عشق أهل البحرين بلادهم، فعشقوا بحرها وأسيافها وسماءها وترابها وعصافيرها، أنه حب قد أثبتت المواقف أصالة هذا الشعب الذي عشق أرضه من أعماق قلبه، فهو الشعب الذي لن يتخلى عن وطنه مهما كانت الدوافع، ومهما كانت المخاطر، وها هو ابن الرومي يعبر عما تكتظ به قلوبنا من مشاعر الحب والولاء للبحرين الغالية قائلاً:
ولي وطـــن آليــت ألا أبيعـــــه
وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشـباب ونعـمـة
كنعمة قوم أصبحـوا فــي ظلالـكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه
لها جسد إن بان غودرت هالكا
وبالفعل هذا ما حصل حين أبى شعب البحرين أن يبيع وطنه أو يتخلى عن الدفاع عنه، وألا يرى غيره لأرضه ولزمام أموره غير أهله يتملكه، ومن هذه المشاعر والأحاسيس ينطلق الشعب البحريني هذه الأيام بمشاركته في الاحتفالات تعبيراً عن حبه للبحرين، وإصراره أن يبقى هذا الوطن شامخاً لا يستطيع أعداءه مهما حاولوا أن يمدوا يدهم ليسرقوا تربة من ترابه إلا قطعها لهم، أنه يوم تجديد البيعة والولاء لحكام البحرين الذين بنوا هذه الأرض وعمروها حتى عاش فيها الناس عيشة رغدة صافية، لا يعكر صفو العيش فيها الأعمال الهمجية التي يرتكبها مرتزقة إيران، محاولين قطع بهجة المواطنين، وهو ما اعتادوا عليه هؤلاء المرتزقة الذين يدينون بالولاء لغير أرضهم، أنهم ناكروا الجميل، الذين لم يعرفوا يوماً مشاعر حب الأوطان، فمن يحرق وطنه مستحيل أن يكون في قلبه ذرة محبة إليه، بل حقد أسود بلون قلبه يصبه على أرض البحرين، ومن يحاول أن يجمل أو يبرر أفعاله فهو شريك معه في عداوته للبحرين.
حفظ الله البحرين قيادة وشعباً وأرضاً، وجعلها الله أرضاً طيبة مباركة يعم بين ربوعها الأمن والسلام.