ربما سيصرخ أحد القراء ويقول إنه واحد من الذين يدعون إلى الأنانية البغيضة، والتي هي ضد الدين، ولكن قبل أن نتحدث عن مفهوم عشق الذات، تعالوا نتعامل مع مفهوم الأنانية، والتي أراها كما يراها غيري من المهتمين بعلم النفس أو بالتربية الذاتية، فهي العيش على حساب الآخرين، وبغض النظر عن الأذى الذي يمكن أن يلحق بهم. هذا الحب الفردي يخلق في الإنسان الأناني رغبة ذاتية وغيرة جنونية للسيطرة على الآخر، وامتلاك ما هو له بدون حق، حتى يصل لدرجة حرمان الآخر من كل شيء يمتلكه وانتزاعه منه حتى لو لم يكن الأناني بحاجة لهذا الشيء. كل ما سبق يسبب العداء بين الناس مع كل ما يندرج معه من الغرور والتكبر، والاتكالية، وإراحة النفس والصعود على أكتاف الآخرين بضمير ميت وبدون مبالاة مثل الحسد والكره والحقد، والطمع والجشع، وأمور أخرى كثيرة.
ولكن عشق الذات هو المفهوم المقابل للعشق الإلهي، فأنت تعشق ذاتك، لأن ذاتك عظيمة، ذاتك رائعة، ذاتك مختلفة عن غيرك من الذوات، ذاتك تمثلك أنت منذ لحظة تنفسك أول هواء على الأرض.
من هنا إذا أحببت ذاتك، لسوف يفيض حب الذات منك إلى غيرك، حتى يتحول هذا الحب إلى ذبذبات تملأ الكون، لتلامس كل إنسان على وجه الأرض.
من خلال تجربتي الحياتية، شاهدت الكثير من الحالات، التي تعبر بصورة أو أخرى، عن بعض الأشخاص الذين لا يحبون أنفسهم، رجال أو نساء، عدم حبهم لأنفسهم يجعلهم يكرهون الآخرين، حتى الأقربون إليهم، أزواجهم، زوجاتهم، إخوانهم، أمهاتهم، أولادهم.
الذين يكرهون أنفسهم، ليس لهم علاقة بما يحملون من شهادات دكتوراه أو في مناصب عليا، أو كبار التجار، أو زعماء سياسيين ودينيين. بسبب أن هؤلاء لا يملكون الثقة بالذات ويشعرون بالنقص، حتى لو حاولوا إبعاد هذه الحالة عنهم بصورة أو بأخرى.
إن تحب ذاتك، معناه أن تحب كل النعم، الذين يحبون ذاتهم، أو كما أقول يعشونها، لا يحتاجون إلى التذمر اليومي، لأي سبب من الأسباب، الذين يعشقون ذاتهم، لا يحتاجون إلى الشكوى اليومية لعدم وجود من يقدرهم أو يكرمهم أو يهتم بشؤونهم من يحب ذاته يحب الاخرين دون شروط ودون آراء مسبقة، ودون اهتمام بشيء آخر غير المحبة الإنسانية والتي تعبر بصورة طبيعية عن الجوهر الإلهي فينا.
من هنا المحب لذاته، أو عاشق ذاته لا يستطيع أن يكره أو يلعن غيره، لأن كم المحبة التي يحملها لا تتركه يفعل ذلك، هو بصورة أخرى مكتفي بحبه عن حب العالم، إن حب ذاتك هو تقدير لتميزها عن الآخرين، فكل فرد مر أو يمر أو سيمر، في حياتنا، هو عبارة عن روح سماوية تمر بتجربة إنسانية أو دنيوية، بمعنى أننا في الأساس أرواح، ولسنا أجساداً، خلقنا الله وأنزلنا لهذه الأرض كي نتعلم. جئنا الأرض أفرادا، وسنغادرها أفراداً، كل مسؤول عما قدمه أو ما مر به أو فكر فيه أو نواه، كل مسؤول عن تجربته، حيث لا ينفع الإنسان أي شيء، أمه، أباه، أخوته، ماله، منصبه، شهرته، لا شيء، سوى العمل الصالح.
حينما أقول لإنسان ما، أحبك في الله، معناه أننا كلنا عباد الله، مخلوقاته الأجمل، والأعظم، والأرقى، وهو يعني أيضاً أن من وصل إلى مرحلة متقدمة من حب الذات، أعني مرحلة الاكتفاء بالمحبة، وتحولها إلى محبة الآخرين، وكل ما هو موجود ومحسوس وملموس وغير ملموس فوق كوكبنا الرائع، لهذا أقول على الواحد منا حين يقف أمام المرآة في الصباح، عليه أن يردد بدون تردد وبفرح غامر صادر من القلب: أنا أعشق نفسي كما أنا، أنا أتقبل نفسي كما أنا.