«أهون الشرور هو الاتفاق مع نظام بشار الأسد على التوصل إلى وقف لإطلاق النار، يسمح بتقديم المساعدات للنازحين وخصوصاً إمكانية الهجوم على العدو المشترك، تنظيم الدولة «داعش»، ويجب تغيير جدلية مع بشار أو بدونه، بالسلام أو الحرب، إذا كنا نريد السلام، فيجب التوصل إلى اتفاق مع الأسد أقله مرحلياً، روزفلت اضطر إلى الاتفاق مع ستالين للانتهاء من النازيين لأنه كان أهون الشرور حينذاك».
لم تكن التصريحات السابقة لوزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا مارغايو هي أبرز المواقف التي تعبر عن الاستدارة نحو نظام دمشق، والاستهانة بمقدرات شعب أراد الحرية فثار من أجلها، فقد سبقه الجنرال ديفيد ريتشاردز رئيس أركان الجيش البريطاني السابق، حينما طالب رئيس الحكومة ديفيد كاميرون بـ«التخلص من تناقضاته، والاعتماد على جيش الأسد في محاربة «داعش»، بدلاً من تدميره»، مضيفاً «أرى أن يتم وقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة بشكل يفضي إلى أن يركز الجيش السوري على مساعدتنا على الأرض في قتال التنظيم المتشدد».
وربما لأن الغرب يدرك أنه في السياسة، لا عداوة دائمة، ولا صداقة دائمة، وإنما مصالح دائمة، فقد ظهر ذلك جلياً في تطورات مواقف أمريكا والغرب بشأن الأزمة السورية، فبعد خمس سنوات ظلت خلالها واشنطن تؤكد تمسكها برحيل الأسد، أصبح الأمر مؤجلاً أمام أولوية قتال «داعش»، وجاءت تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بشأن إمكانية تعاون قوات الأسد ومقاتلي المعارضة المسلحة لمواجهة «داعش»، دون حسم مسألة رحيل الأسد عن السلطة، لتعكس التحول في المواقف، وتشكل صدمة للمعارضة السورية، ليس آخرها، موقف فرنسا ممثلة في وزير خارجيتها لوران فابيوس الذي فجر مفاجأة قبل أيام بتصريحات قال فيها «سوريا الموحدة تتطلب مرحلة انتقال سياسي، لكن هذه المرحلة لا تضع شرط رحيل الأسد قبل الانتقال السياسي»، قبل أن يستدرك «لكن الانتقال يجب أن يضمن رحيله القطعي في المستقبل»، في محاولة منه لتخفيف وطأة التصريح.
تلك المواقف السابقة تشير إلى أي مدى كيف لجأ الغرب إلى تغيير أسلوبه في إدارة الأزمة السورية على قاعدة أن الحرب على الإرهاب ومواجهة أزمة اللاجئين السوريين إلى أوروبا هما القضيتان الرئيسيتان وما سواهما عناصر ثانوية، بما فيها بقاء الأسد في السلطة.
ولاشك في أن هجمات «داعش» التي وصلت أوروبا وأمريكا مؤخراً أخرجت النقاش حول الوضع في سوريا من دائرة الترف إلى دائرة الأولوية الأمنية التي تعني آلياً البدء بمهاجمة الجماعات المتطرفة وتأجيل البت في مصير الأسد إلى وقت لاحق، وذلك يقترب إلى حد كبير من رؤية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذا ما صرح به رأس الدبلوماسية الروسية سيرغي لافروف حينما شدد على أنه «يتعين على الغرب أن يسقط مطالبه بشأن خروج الأسد من المشهد السياسي إذا ما أراد تشكيل تحالف دولي ضد «داعش»».
وكانت فرنسا -قبل أيام فقط- أكبر المطالبين الأوروبيين بأن يتم التغيير في سوريا بمعزل عن الأسد، لكن هجمات باريس الدامية دفعتها إلى تقارب كبير مع روسيا وتنسيق مشترك لعمليات القصف على مدينة الرقة الشمالية مقر «داعش».
وبعد سلسلة من الاعتداءات في باريس التي خلفت 130 قتيلاً و350 جريحاً في 13 نوفمبر الماضي، دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى «ائتلاف موحد واسع» ضد التنظيم المتطرف في سوريا. ويكون بذلك بدأ تقارباً مع روسيا، الداعم الأساسي للأسد، المكروه في باريس، التي يشدد المسؤولون فيها دائماً على أن «التنسيق في سوريا يلزم باريس ألا تظهر بجانب جيش الأسد ضد «داعش»» ما يعني ضمنياً رفع راية حمراء، ربما تسقط قريباً بعد تصريحات فابيوس.
وتشير المواقف الغربية إلى أن جبهة مناهضي الأسد من الأوروبيين توصلوا إلى نتيجة مفادها أن خيار الحسم العسكري لصالح الأسد أو لصالح المعارضة له نتائج سلبية ولا يوجد هناك الآن أي خيار سوى خيار الحل السياسي للأزمة السورية، لكن دون الدفع باتجاهه، وليس أدل على ذلك من موقف أمريكا بسياستها التي تعتمد على إدارة الصراع وليس إنهائه، فلواشنطن دور كبير في ذلك، خاصة بعدما اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بفشل مشروع تدريب المعارضة السورية المعتدلة من أجل إسقاط الأسد.
* وقفة:
تحول الدول الكبرى استراتيجيتها في سوريا وفقاً لمصالحها، ووفق تصوراتها المتغيرة، دون إيجاد حل قاطع للأزمة التي تسببت منذ اندلاع الثورة، منتصف مارس 2011 في مقتل أكثر من 250 ألف شخص، ونزوح أكثر من نصف سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليوناً، وتهجير نحو 4 ملايين خارجها، ولولا دعم دول الخليج بقيادة السعودية للسوريين، لأصبحوا مثل العشب، تدعسه أقدام الوحوش المتعاركة.