بادئ ذي بدء، لابد من وضع تعريفٍ لكلمتي «القائد» و«المؤسسة»، اللتين سيتكرر ورودهما في هذه المقالة، وذلك لمنع حدوث أي لبسٍ لدى القارئ الكريم. فالقائد قد يكون وزيراً أو وكيلاً أو مديراً أو رئيس قسم أو مسؤولاً في شركة أو قائداً لفريق عمل. أما كلمة «المؤسسة» فتشمل مؤسسات القطاع العام والخاص على حدٍ سواء. وسوف أتناول أولاً صفات القائد ثم سأتعرض إلى المراحل التمهيدية لتولي القيادة. في رأيي، أفضل قادة في العالم هم القادة المفكرون. فالقائد المفكر يمتلك رؤيةً واضحةً لتحقيق غايات تصب في مصلحة المؤسسة التي يترأسها. والقائد المفكر لديه القدرة التحليلية عند اطلاعه على أمورٍ ذات صلة بالعمل، ويقوم بإعداد وتنفيذ آليات لإعداد الصف الثاني والثالث والرابع -إذا أمكن- من القادة. كما يقوم بإعداد وتنفيذ خطة لتوزيع العمل بين الكوادر باختلاف درجاتها واختصاصاتها. وسوف يؤدي ذلك إلى نتائج طيبة كإشعار الموظف بأنه جزءٌ مهم في المؤسسة، وزيادة الإنتاجية وضمان الولاء الوظيفي. فالموظفون باختلاف قدراتهم هم سر نجاح القادة في إدارة المؤسسة. ومن صفات القائد أنه قائدٌ ميداني، حيث يكون قريباً من تابعيه ويفرض هيبته في الوقت ذاته. ففن التعامل مع الآخرين يكمن في فهم الاختلاف بين النفوس البشرية، ومن المفترض أن يمتلك القائد ذكاءً اجتماعياً. كما يتوجب على رئيس المؤسسة أو من ينوب عنه عقد اجتماعات دورية مع المرؤوسين وعلى الأخص رؤساء القطاعات والأقسام لإطلاعهم على أي تطور يطرأ في سياسة المؤسسة، وكذلك لإتاحة الفرصة للمجتمعين لتبادل المعلومات والدفع بمزيدٍ من التعاون بينهم، ومن الأفضل ألا تتسع دائرة المشورة في هذه الحالة لتضم أشخاصاً من غير ذوي الاختصاص والدراية حتى لا تحيد تلك المشاورات عن أهدافها خاصةً وأن تلك الاجتماعات تشكل عاملاً داعماً لصنع القرار. فالقرار لا يقيم على أساس النتيجة التي أحدثها فحسب، بل يجب أن يوضع في الاعتبار الظروف التي تم فيها اتخاذ القرار وعما إذا كان صاحب القرار قد أحسن التقدير أم لا. وفي كل الأحوال، يجب أن يمتلك القائد حساً وطنياً وأمنياً، وأن يكون على دراية بواقع البلد ومشاكله. وقد يتساءل المرء: كيف نعد القادة؟ والجواب هو أنه إذا كان لديك مجموعة من الموظفين، فإنه من الطبيعي أن يكون هناك تفاوت من حيث القدرات والمهارات، فينتج عن ذلك ظهور عدد من الموظفين المتميزين يسمون بـ«النخبة». بعد ذلك، يتم تكليف الموظفين النخبة بمهامٍ أكثر جسامة ويخضعون لمزيدٍ من التدريب خاصةً في مجال الإدارة، فينتج عن ذلك ظهور عددٍ من الموظفين يسمون بـ»القادة». ولابد من الأخذ في الاعتبار أن الكفاءة لا تكمن في إنجاز العمل والتميز فيه فحسب، بل إنها تتصل أيضاً بمدى الالتزام بأخلاقيات العمل. كما أن الجدارة لا تقاس على أساس سنوات الخبرة فقط، بل تشمل أيضاً حجم وطبيعة المهام التي مورست خلال تلك السنوات. وإذا أردنا تقييم الموظف ومنحه درجة من عشرة، فإننا نخصص درجة واحدة للمؤهلات العليا والشهادات المهنية، وأربع درجات للخبرة العملية، وخمس درجات للشخصية. فالإنسان هو الذي يعطي زخماً للوظيفة وليس العكس. وعلى كل شخص يتطلع إلى النجاح في العمل ألا يهاب أي عملٍ يكلف به مهما بلغت جسامته. كما أن المهارات التي نكتسبها في ميدان العمل قد لا تكون كافية للبروز والترقي. فقد تكون المهارات الجانبية عاملاً فعالاً إلى جانب المهارات الأخرى في تحقيق الرقي، وذلك من خلال المشاركة في الفعاليات الاجتماعية أو الثقافية. ولكي تكون رائداً وناجحاً، فلابد من المجازفة في بعض الأحيان، إلا أنه يوجد فرقٌ بين المجازفة المدروسة والمجازفة غير المدروسة. ومن المهم جداً أن يكون هناك شخصٌ يوجهك عند دخولك معترك الحياة، وعليك بالشخص صاحب الخبرة الطويلة الذي لديه غزارة في العلم ويحرص على أن تصقل مهاراتك ولا يبخل عليك بالنصائح. وهناك نقطةٌ مهمة لابد أن نتوقف عندها قليلاً: فكثيرٌ من الناس يعرفون «المكتب» على أنه غرفة معدة للأغراض المهنية أو العلمية، وتحتوي على الأدوات التي تساعد على تحقيق تلك الأغراض. إلا أنني أرى أن «المكتب» هو الآلية التي يتم من خلالها العمل والابتكار والإبداع. ومن صور الإبداع القدرة على الابتكار والتطوير في ظل الإمكانيات المحدودة وكذلك توظيف الطاقة في الموضع الصحيح، وقد أطلقتُ على هذه الممارسة الإبداعية «سياسة توفير الطاقة». ومن منا لا يحب أن يطلع على قصص النجاح وتحديداً قصص هؤلاء الذين بدؤوا من الصفر واتبعوا مبادئ سامية للوصول إلى أهدافهم؟ إن قصص النجاح لا تقتصر على النجاح، حيث إنها لا تكون قصص نجاحٍ مكتملة إلا بالحفاظ على مستوى الأداء عندما يكون المرء في أوج نجاحه وعطائه. فاستمرارية النجاح المهني ليست بكثرة الظهور وإنما بالعمل الدؤوب. ولا خير في إنسانٍ يتكلم أكثر مما يعمل، فالعمل يولد المنفعة والكلام الكثير يولد الخيبة. وإذا نظر الإنسان إلى نفسه على أنه تلميذٌ في هذه الدنيا، فإنه سيستمر في العطاء حتى آخر لحظة من عمره. أما إذا نظر إلى نفسه على أنه أستاذ، فإن عطاءه سوف يقل وقد يصاب بداء الكبر والعياذ بالله. وقد علمنا حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى القيادة باختلاف صورها. فقد تمثلت القيادة الحكيمة لجلالة الملك رعاه الله في مشروع جلالته الإصلاحي، وإرساء دعائم دولة المؤسسات، واحتواء جميع مكونات المجتمع البحريني وإشراكها في المشاورات التي تتصل بمصالح البلاد ومستقبلها. وقد قاد جلالته البلاد إلى بر الأمان بعد أن حاولت أيادٍ عابثة أن تضرب بالثوابت -التي ورثناها من آبائنا وأجدادنا والتي ترجمت إلى نصوصٍ تضمنها الدستور وميثاق العمل الوطني- عرض الحائط وأن تنال من أمن البلاد ومقدراتها. أسأل المولى عز وجل أن يحفظ مليكنا وأن يمتعه بالصحة والعافية، وأن يعينه في خدمة وطنه وأمته.