الهوس الأوروبي لمواجهة إرهاب «داعش» بعد أن طالها في «سبتمبر أوروبا» دفعها لإعادة التفكير مجدداً على مسارين، الأول يتعلق بكيفية ضرب تنظيم «داعش» في عقر داره في سوريا والعراق، والمسار الثاني يتعلق بكيفية إعادة تنظيم قوانين وأنظمة الهجرة والسفر للقارة العجوز.
باريس، ولندن، وبرلين، وأمستردام في الطريق، كلها دول بحثت بشكل عاجل هذين المسارين، ومعظمها اتخذ قراراً بشأن توجيه ضربات عسكرية لتنظيم «داعش»، فهل من المجدي الانخراط في هذه الحملة العسكرية أوروبياً؟
الحاجة كانت تتطلب انفصالاً أوروبياً عن السياسة الأمريكية التي أثارت الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، ولكن الضربات العسكرية الآن ستساهم في تعقيد الأوضاع إذا اكتفت فقط بشن حملة عسكرية جوية فقط، دون المساس بقوافل النفط الداعشية، أو لم تستهدف شبكات الاتصالات التي يعمل التنظيم من خلالها على نشر خطابه ويقوم بالتجنيد على مستوى العالم كما هو الحال في شبكة الإنترنت.
بالإضافة إلى ذلك فإن الاستهداف العسكري دون الاستهداف الفكري ستكون له تأثيراته السلبية، إذ ستكون النتيجة خسائر مادية وبشرية فقط، مع إمكانية عودة هذه الإمكانيات سريعاً مادام مصدر التمويل مستمراً، ومادام الفكر ينتشر عبر خطاب إعلامي في الشبكة المعلوماتية.
النتيجة لما بعد توجيه الضربات العسكرية الأوروبية هو القضاء على كوادر «داعش» -بغض النظر عن المدنيين الذين يمكن أن يذهبوا ضحايا للعمليات- وبقاء فكر «داعش» في كل مكان. ظهر الفكر الداعشي أولاً في أفغانستان، ثم صار في العراق وسوريا، وانتقل سريعاً لأوروبا، وبعدها الولايات المتحدة، ومن الممكن أن ينتقل إلى أي مكان في العالم في أي وقت إذا كان الاستهداف عسكرياً فقط.
هذا هو الواقع الذي سيكون مؤلماً ونتائجه أوسع، لأن محاربة «داعش» أو الفكر الثيوقراطي الراديكالي أياً كان مصدره تتطلب استراتيجية شاملة تستهدف كافة عناصره ومصادره التنظيمية بهدف اجتثاثها وتفكيكها سريعاً لضمان القضاء عليه، بدلاً من الانخراط في عملية عسكرية من غير المعروف أمدها أو نهايتها على الأقل.
خليجياً، فإن دول منظومة مجلس التعاون ملتزمة بمحاربة الإرهاب، والمطالبات بانخراطها في حملة دولية لمواجهة إرهاب «داعش» تتطلب ألا تقتصر على مجرد توجيه ضربات عسكرية، بل يجب أن تكون الجهود الخليجية والدولية أكبر من ذلك بكثير لتحقيق الأهداف المطلوبة.