فجأة صار هناك صمت مطبق أوروبياً وأمريكياً إزاء الاتفاق النووي الإيراني الذي يتوقع أن يتم تفعيله خلال أسابيع وتعود المليارات المجمدة لطهران، ويبدأ الغرب بالاستثمار في الأراضي الإيرانية. وفجأة أيضاً صار هناك صمت مطبق أوروبياً وأمريكياً إزاء التدخلات الإيرانية في شؤون الشرق الأوسط، في دول مجلس التعاون الخليجي، في العراق، في سوريا، وكذلك اليمن.
الحديث الآن فقط عما يسمى بـ «الإرهاب السني»، أما الإرهاب الذي جذروه إيرانية أو شيعية فلا يتم الحديث عنه، هكذا فعل الإعلام الدولي، وهكذا يرغب في تكوين صورة نمطية يجب أن تتطور حتى تصل الدول العربية، ومعها دول الخليج العربي تحديداً إلى مرحلة الشيطنة، فيصبح لدينا خليج الشياطين، أما إيران فتبقى الدولة الودودة في الشرق الأوسط، والتي يمكن بالتعاون معها معالجة أزمات الشرق الأوسط.
المعادلة مقلوبة تماماً، فالإرهاب الذي دائماً ما تتشدق الحكومات بأنه «لا دين له ولا هوية» صار إرهاباً طائفياً يخص طائفة واحدة فقط، أما الإرهاب القادم من مصادر أخرى سواءً كانت من طائفة أخرى، أو دين آخر، أو جماعة سياسية وغيرها ليس إرهاباً وليس مهماً أيضاً.
جانب من المعركة القائمة هنا في الشرق الأوسط بفوضاه الخلاقة المستقرة معركة مفاهيم، فالدول المارقة اختلفت الآن وتغيرت قائمتها، والشيطان الأكبر صار ملاكاً أكبر، والإرهاب لا يمكن إلا أن يكون سنياً.
أحزاب وجماعات سياسية تتبنى معركة المفاهيم، وتساعدها في ذلك جماعات مصالح وشبكات إعلامية ضخمة تبدأ في أوروبا وتصل إلى دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية.
ابتسار المفاهيم وإعادة تركيبها وابتكارها من جديد فيما يتعلق بالإرهاب وتكوين الصور النمطية الأخرى سيقود إلى وضع مختلف من الصعب معرفة مستقبله. فإذا كانت أوروبا تحارب الإرهاب، فإنها ستصل إلى مرحلة تتساءل فيها عن كنه الإرهاب وشكله وهويته ومصدره، وستجد حينها جواباً بأن الإرهاب بات مصدره خليج الشياطين ـ أي الخليج العربي ـ ودول مجلس التعاون هي مصدر «الأصولية السنية» التي تقود العالم إلى الفوضى ومزيد من الإرهاب.
أدبيات الإرهاب الغربية تبدلت في أوروبا وكذلك الولايات المتحدة، إيران لا تمارس أي شكل من أشكال الإرهاب رغم قيامها على أيديولوجية ثيوقراطية ولديها سياسات داخلية وخارجية ثيوقراطية، ورغم احتلالها أجزاء واسعة من دول الشرق الأوسط.
المرحلة المقبلة مختلفة بمفاهيم جديدة، واختلاف المفاهيم بين العرب والغرب لا يمكن أن ينهي الإرهاب، بل سيكون ضرباً من ضروب الاستحالة.