أكثر ما يجذب انتباهي عندما أسمع التحية الإسلامية والعربية والمتمثلة بعبارة «السلام عليكم»، وهو المصطلح الأكثر شيوعاً في الدول العربية، ولاسيما في دول مجلس التعاون الخليجي، على لسان الوافدين الأجانب من الدول الأمريكية، الأوروبية والشرق أوسطية. فهم يحترمون عاداتنا وتقاليدنا وممارساتنا اليومية ويحاولون تقليدنا وتطبيقها طالما أنهم ينسجمون مع مجتمعاتنا ولا تؤثر سلباً عليهم.
وعلى الجانب الآخر، تجدنا نسافر إلى الدول المتقدمة وتسمعنا نتكلم بانبهار ساحق وشغف عامر عما يتمتع به شعوب تلك الدول من حضارة ورقي في معاملاتهم اليومية، والممارسات الجميلة التي يطبقونها، والتي لا تتعدى بالنسبة لنا إلا أن تكون أمنيات، فعندما نصف أمراً يمكن أن يكون بالحقيقة أمر منطقي حدوثه، لكننا لم نعتد أن نشهده في بلادنا العربية، فكلمة «تخيل» تكون كلمة ملازمة لكلامنا طوال الوقت! باعتبار أن ما يمكن أن نشهده هو قادم من عالم الخيال وليس تطبيقه مستمداً أساساً من ديننا الإسلامي الحنيف الذي يجهله كثيرون!
فعلى سبيل المثال لا الحصر لذكر بعض وجهات كلمة «تخيل»، فتخيل مثلاً أنه يمكن أن تسير يوماً كاملاً في شوارع مدينة دون أن تسمع صوت مزمار سيارة! أو تخيل أنك ممكن أن تجد الناس بغض النظر عن مكانتهم العائلية، والاجتماعية، والوظيفية تستخدم إحدى وسائل النقل العام! أو تخيل أن طبيباً يستخدم دراجة هوائية للذهاب والعودة من عيادته كل يوم! أو تخيل أن مدير أهم شركة يمكن أن يحضر اجتماع مجلس الإدارة ببنطال جينز وقميص قديم أكل عليه الزمن وشرب! أو تخيل أنك ممكن أن تقف ساعات تنتظر دورك ولا تجد أحداً يزاحمك! أو تخيل أن الإشارات الضوئية المرورية لا تجد عليها كاميرات مراقبة والسائق لا يقطع إشارة حمراء حتى وإن كان مساره سالكاً في منتصف الليل! أو تخيل بيتاً لا تجد به خادمة أو سيارة أو 4 أجهزة تلفاز! أو تخيل سيدة تركض وتلعب مع أبنائها في المتنزهات العامة بهدف مشاركة أوقاتهم وسعادتهم! أو تخيل أنك تمشي في الشارع ولا تجد محرمة ورقية مرمية هنا أو هناك! أو تخيل أن سيدة عجوزاً أو رجلاً مسناً يقصدان التطوع في أماكن العمل التي كان يشغل بها منصب مدير أو رئيس مجلس إدارة بعد تقاعده لسبب أنه لا يريد أن ينفرد باكتنازه للعلوم والمعرفة لنفسه فقط!
فموضوع إساءة الظن غير وارد في العنوان، والصدق في معاملاتهم لا تقبل للشك مكان، وكم تخيل سوف تعقبها تخيل! وبالرغم من أن المثل يقول «من عاشر قوماً أربعين يوماً صار منهم أو رحل عنهم»، فنحن من الممكن أن نعاشر الأجانب أربعين سنة، لكن عندما نرجع إلى بلادنا العربية فلا تتغير من ملامحنا إلا ألسنتنا التي تنطق بطلاقة اللغة الأجنبية ونعود إلى طبيعة ممارساتنا العشوائية، وهنا تجدنا نصرخ استنفاراً من هذه الشخصيات المتغطرسة ونقول لهم: «يا أخي خليك أجنبي لغة، قولاً وفعلاً».
فأنا لا أقول إن دول وشعوب الدول الأجنبية منزهة وخالية من العيوب، ولكن الفضيلة عندهم، تفوق كفة الرذيلة. فأنا لا أتكلم عن المبادئ والمعتقدات الدينية، وإنما عن الممارسات الإنسانية والحياة السلوكية اليومية.