السوشيال ميديا اليوم عبارة عن تسخير واستثمار لتطبيقات «الويب» والمواقع الإلكترونية لإنشاء روابط تواصلية سريعة الانتشار والفاعلية بين أكبر قاعدة جماهيرية في العالم كله، حيث يجتمع على منصات مواقع التواصل الاجتماعي العدد الأكبر من مختلف الشرائح والطبقات الثقافية والاجتماعية، مما كان له الدور الأول في التغيير النوعي في كافة المجتمعات. يختلف مجتمعنا العربي – الخليجي عن غيره من المجتمعات خاصة الغربية. فالحياة الاجتماعية على هذه المنصة في الغالب تكون صورة وردية وأرض خضراء خصبة. فبغض النظر عن بعض السلبيات المطروحة على بعض المواقع الإلكترونية التي تتعلق بالمحتوى أو التحكم بالمادة المطروحة، إلا أنه المسرح الذي يستقبل أكبر قاعدة جماهيرية قابلة للتغير والتأثير. فعلى مختلف الأصعدة والمجالات، أثر وغير على النظام السياسي للدول حيث كان المصدر لكافة الثورات العربية منذ عام 2011 إلى الوقت الحاضر، وكان وسيلة مهمة لتشكيل الرأي العام والضغط على بعض السلطات، وساعد على ظهور النزعة السياسية والتفاعل بشكل حر مع مختلف الأحداث الراهنة، فزاد النشاط السياسي للمجتمع وخلق الرأي العام الجديد. وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة مشروعة للتفوق على المنافسين والمناقشة وطرح الأفكار والمميزات، حتى أصبح لأغلبية السلطات والشخصيات الرسمية مدوناتهم على تلك المواقع.
أما التأثير في العلاقات الدولية فتجده أكثر تعقيداً وأكثر سرية، فمحاولات التجسس على الدول والاستعداد للحرب الإلكترونية القادمة، وامتلاك التكنولوجيا القادرة على الوصول إلى المعلومة في أي مكان في العالم، حتى من دون الحصول على ترخيص، يبعث الإحساس بانعدام الخصوصية في العالم الافتراضي، فالجميع يتسابق لوضع معلوماته على الشبكة والتعريف بنفسه، ولو أرادت أية حكومة في العالم فتح قاعدة بيانات لجميع سكان العالم لكانت مهمة مستحيلة، لا تكفيها الموارد المالية ولا عامل الزمن الذي أوصل المعلومات المتوفرة إلى ما هي عليه اليوم.
لم يكن من السهولة إقناع كل إنسان بأن يضع بياناته بنفسه ويحدثها لتكون هدفاً رئيساً للسيطرة عليها، فالعالم الافتراضي تختلف فيه موازين القوى وتميل باتجاه من يملك المعلومة والتقنية، فاليوم الخريطة الرقمية للعالم أصبحت أكثر وضوح، وعليها جميع دول العالم، والجميع لديه بصمة إلكترونية إلا بعض الدول التي هي بُقع سوداء مظلمة لا تتوفر عنها الكثير من المعلومات، وهذه الدول لم تنتشر فيها التكنولوجيا، وقد تكون الأكثر أمنًا من الحرب الإلكترونية المحتملة.
الإعلام الاجتماعي يسير في اتجاه تغيير ثقافة الإنسان من ثقافة الحرف التي سيطرت على البشرية، إلى ثقافة الصورة والفيديو، فالعالم الافتراضي اليوم «السوشيال ميديا» تجد الجميع فيه على عجلة لا يريد أن يطيل القراءة والبقاء في الصفحة لأكثر من دقيقة أو اثنتين، ليصيبه الملل والتشويق للانتقال إلى رابط جديد وصفحة جديدة، وتستهويه الصورة ويقف عندها لسرعة فهمها، ومثلها مقاطع الفيديو. لهذا تجد المواقع التي تهتم بالفيديو والصور تحصد النجاحات السريعة، كما تجد أن المقياس الجيد للأعمال اليوم يقاس بالحضور الإلكتروني، الذي قد يستبدل يوماً ما بالسيرة الذاتية للأشخاص أو الشركات. فلذلك الصورة اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي لا تغير فقط المجتمع بل قيمها الناس اليوم بمليون دولار لما لها من قيمة مادية لرواد الأعمال والمؤسسات والسلطات ولاسيما قيمة معنوية لعامة الأفراد.
مما لاشك فيه والجدير بالذكر أن الإعلام الجديد استطاع في الآونة الأخيرة تحقيق نجاح بل تفوق تفوقا كبير وسريع، مما ساعد على انتشار خبر قضائه على الإعلام التقليدي وأنه البديل له! في الواقع «السوشيال ميديا» اليوم هي الإعلام المكمل لما تتناوله محطات التلفاز وما تكتبه الصحف وتنشره. فعلى سبيل المثال ما تبثه نشرة الأخبار يساعد على انتشاره على مستوى العالم التغريدات المتعلقة به على موقع «تويتر»، وما يزيد نسبة مشاهدة مختلف البرامج التلفزيونية هو الإعلان عنها وخلق مناقشات حولها على صفحات «فيسبوك» و»الإنستغرام» اليوم. ومما يزيد من قوة الكلمة والحرف هو نشر المقالات إلكترونياً على مواقع «السوشيال ميديا» وقنواته المختلفة.