دعنا أولاً وقبل أن نلج إلى صلب المقال، أن نرفع أكفنا إلى المولى العلي القدير بالشكر والحمد والثناء أن من على والدنا، وكبيرنا، وباني نهضتنا، وصمام أماننا، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة بالشفاء، ونلهج لله سبحانه تعالى بالدعاء أن يمتع «بوعلي» بوافر الصحة والعمر المديد والعافية ليواصل حفظه الله مسيرة العطاء والخير للبحرين الغالية. ليس هناك مقياس يحدد درجة قوة وضعف الموقف عند الإنسان، فعظمة الموقف من عظم صاحبه، وأتصور أن المواقف الوطنية هي من تستحق أن تخلد أو يذكرها التاريخ، وهل هناك أعز من الوطن؟ وكم هي المواقف الوطنية العديدة التي يشهد عليها التاريخ للأمير خليفة بن سلمان، وتحسب لسموه، وبالأمس تجسدت إحدى تلك المواقف بمعانيه الوطنية التي ترسخ معنى التضحية وتهز جدار العاطفة وتترك أثراً طيباً، خرج سموه من باب المشفى إلى باب مبنى الحكومة ليترأس مجلس الوزراء بنفسه، لقناعاته أن الموضوعات على طاولة المجلس، من الأهمية بمكان، ما تستلزم وترؤسه شخصياً الجلسة. لله درك يا «بوعلي»، لم يمنعه مرضه من مباشرة مهامه، والقيام بما يمليه عليه ضميره من واجبات تجاه وطنه. وهذا هو سر عظمة خليفة بن سلمان.. فعلاوة على حنكته السياسية والإدارية، تكمن عظمته في قدرته الفائقة على تحويل مفهوم خدمة المواطن، من عمل تقليدي وروتيني، إلى واجب وشرف، وجعل كل من تشرف بالعمل والتعامل مع سموه، وكأنه يقف في حضرة المعلم الأول والقدوة الحسنة، ممن يرى فيه قيمة التضحية والحب لتراب هذا البلد. لي أن أقول إن من حق خليفة بن سلمان علينا ألا نكتفي بذكر وسرد ما حققه لرفعة هذا الوطن، لكن أقول إن من حق هذا الرجل علينا أن نترجم توجيهاته وتوصياته والتي تلامس احتياجات المواطنين، من أقوال إلى أفعال!! والآن دعنا ندخل في الصميم.. أحيي وأشيد وأشد علي يد الحكومة بقرار وقف تزيين الشوارع بالورود والإضاءة بمناسبة العيد الوطني تماشياً مع التقشف، فإذا كان لنا أن نطالب الشعب بشد الحزام، فالأولى بالحكومة أن تقدم القدوة وتكون أولاً من يشد الحزام على مصروفاتها وبهرجتها، وما ظني بقرار وقف الزينة إلا خطوة في اتجاه تقويم وتصحيح سياساتنا الاقتصادية والمالية السابقة والتي أحسبها لم تقدر أثناء سنوات الانتعاش، مخاطر انهيار أسعار النفط في أي لحظة، خصوصاً وقد تدبج الحديث بكثرة هذه الأيام عن موقفنا المالي، تذهب بنا يمنة ويسرة، فالحديث وصل إلى الرواتب التي هي «رأس مال» عموم المواطنين، لتضيء أنوار الحيرة. وأود التوضيح هنا أن ميزانية وزارة البلديات والتخطيط العمراني العام الماضي لاحتفالات العيد الوطني بلغت 171 ألف دينار في العام الماضي، بخلاف ميزانية الوزارات الأخرى المخصصة للاحتفال وزينة مبنى الوزارة والتي تبلغ في المتوسط 32 ألف دينار، في حين كلفة بناء وحدة سكنية «واحدة» تبلغ 30 ألف دينار!! بمعنى أن المبلغ الذي سيوفر هذا العام من الزينة يمكن أن يصب في مشكلة الإسكان. الآن يتملكني أمل أننا سنعبر هذه الأزمة المالية بعد أن شاهدت الحكومة تبدأ بنفسها. فلا تترك القلق يتلبسك عزيزي المواطن، فتاريخ البحرين مع الأزمات طويل، لسنا أول دولة تمر بأزمة اقتصادية، ولن نكون آخر دولة، وسبق أن هبط سعر النفط إلى 15 دولاراً، وحتى ما دون ذلك، ولكن لم نشعر كثيراً بها، فلم يكن حينها وجد «التويتر»، ولا انفتحت السماء علينا بآراء من هب ودب، ومع ذلك، أثبت التاريخ بأن البحرين دوماً - والحمد لله - تنهض وتخرج أقوى مما كانت، وفي كل مرة يقف المواطن مع الدولة ويساندها في أزمتها ويقطع الطريق على المتربصين والكارهين لتراب هذه الأرض. صدقوني، هذا الوطن متوقف وجوده وعدمه، تعاسته وسعادته، شموخه وشقاؤه على المواطن نفسه، ولكن أي موطن أعني؟ بالتأكيد يشغل بالك هذا السؤال كثيراً، ما أقصده يا سيدي القارئ الكريم هو المواطن الشريف، الذي وقف في «الفاتح» ليتصدى لأصحاب مشروع الفتنة الطائفية، ممن توهموا أن بإمكانهم نشل هذا الوطن من نفسه ومن هويته وحضارته وعروبته. هذا الكلام كله كتبته من قبل، بدل المرة عشرات المرات، ولست في حاجة أن أزيد عليه شيئاً سوى أن أقول بصراحة، هذا النوع من المواطنين، هم من يعول عليهم الوطن اليوم ليعبر بهم هذه الأزمة. أقسم لكم سنعبر، وحياة الرزق الذي يشقى الفقير ليطوله مع نسمات الصباح الأولى.. وحياة العجائز اللواتي يرفعن الأكف بالدعاء في صلاة فجر كل يوم أن يحفظ البحرين، سنعبر هذه الأزمة.. يقيني بالله سنعبر هذه الأزمة، فحين تبدأ الحكومة بنفسها وتكون قدوة للموطن، فعليك أن تتأكد عزيزي المواطن بأننا سنعبر..