البعض اليوم يطرح أسئلة حول كيفية وصول دول غير نفطية إلى ما وصلت إليه من تقدم وصعود اقتصادي كبير، ويضربون مثلاً بكوريا الجنوبية، وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه من تقدم صناعي وتكنولوجي كبير، وكيف أصبحت من الدول الصناعية المتقدمة، فحتى السيارات الكورية «مثلاً» أصبحت في السعودية «وهي أكبر مستورد بالمنطقة» من أكثر السيارات رواجاً، وخاصة السيدان؟
كوريا الجنوبية كانت تعتمد في دخلها على القطاع الزراعي بما نسبته 70%، لكنهم وجدوا أن هذا الأمر خاطئ مع وجود بدائل للاكتفاء الزراعي، لذلك توجهوا نحو الصناعة والتكنولوجيا، ووضعوا ثقلهم في هذا القطاع، إلى أن أصبح اليوم هو القطاع الأول الذي ينهض بالبلاد، بينما أصبح مردود القطاع الزراعي 10% فقط، وتم تعويض السوق المحلي من المنتجات الزراعية بالاستيراد الرخيص من الصين.
هناك في كوريا كانت توجد خطة، وهدف، ومشروع دولة، ومشروع شعب يعرف الهدف ويعرف أن الطريق يحتاج عملاً وإنتاجاً، ودقة وجودة، والتزاماً ويعرف أن المنافسة قوية، فالموارد الطبيعية في كوريا غير متوفرة بل تستورد كوريا النفط والغاز.
ذهبت بعيداً إلى مثل كوريا، ونحن أبعد عنها كما بعد المشرق والمغرب، إلى أن آتي قريباً من أجل الوضع المحلي، فقد كنت أراقب بعض المناقشات في مجلس النواب أمس وما يقترحه بعض ممثلي الحكومة الموقرة من اقتراحات على مجلس النواب الذي أصبح يستقبل الاقتراحات، بدل أن يصدرها..!
لا أعرف، كان لدي شعور منذ أن انخفضت أسعار النفط، ونحن في بلد ليس فيه قطاعات أخرى نعتمد عليها كما نعتمد على النفط بشكل رئيس، شعرت أن صندوق احتياطي الأجيال هناك شيء ينتظره..!
لم يلبث شعوري كثيراً، فقد اقترح الأخ الكريم وزير المالية على مجلس النواب «أن يتم الانتقال من فكرة صندوق احتياطي الأجيال، إلى فكرة صندوق التوازن، على أن تودع في الصندوق مبالغ أكبر من التي تودع في احتياطي الأجيال ويمكن الاستفادة من هذه المبالغ دون سند قانوني»..!!
وقال الوزير: «إن صندوق التوازن معمول به في بعض الدول وهو يعتمد على أسعار النفط ويمكن السحب منه عندما تنخفض أسعار النفط».
الفكرة في ظاهرها ليست سيئة، خاصة إن كانت هناك توجهات صحيحة وأياد وطنية تمسك بموضوع احتياطي الأجيال، وتضع مصلحة الوطن والشعب نصب عينها.
غير أن لدى المواطن شعوراً أن العين أصبحت على صندوق احتياطي الأجيال، وأنه هو الهدف القادم، ولا نعرف ماذا سيجري له؟ وأين سيستقر؟ ومن الذي سيحاسب القائمين على الصندوق؟ مع احترامنا لكل بنود القانون الذي شكل الصندوق على أساسه.
في تقديري أننا لم نكن نحتاج إلى صندوق للتوازن، في حال «امتلك اقتصادنا للتوازن» بين الاعتماد على النفط، والاعتماد على قطاعات أخرى داعمة، وأولها القطاع الصناعي، بينما غابت المشاريع الصناعية الكبرى عن البحرين منذ الثمانينات، وحتى مشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أيضاً ليست بالقوة الكافية التي ترفد الاقتصاد الوطني، بينما تعاني هذه المشاريع من الضعف والقصور ونقص في الأراضي وأمور أخرى كثيرة.
التوازن المطلوب كان على الدولة أن تقوم به لتجعل اقتصادنا في أمان وفي صعود تدريجي بعيداً عن برميل النفط، ونحن أصلاً في بلد النفط فيه شحيح كما يقال لنا رغم أن إنتاجنا اليومي يبلغ 200 ألف برميل.
إلا أننا عجزنا وتقاعسنا عن تنمية الاقتصاد الوطني وفتح البلد للمستثمرين الخليجيين خاصة، لإقامة مشاريع عملاقة ووضعنا العوائق أمامهم.
من هنا ظهر الخلل كبيراً حين انخفض سعر برميل النفط، وأصبحنا نسمع كلمات التقشف التي كنا نسمعها ونحن بالمدرسة في الثمانينات، وهذا يظهر أننا بقينا مرتهنين إلى برميل النفط.
لا أعرف هل «راحت السكرة» الآن فقط، كل الأمور كانت واضحة وهي أننا نعاني من نقص كبير في تنمية قطاعات كثيرة وحيوية ومن المفترض أن تشكل مصدر دخل يتفوق على النفط، إذا ما أحسن استغلاله، كان القطاع الصناعي، أو القطاع السياحي، أو القطاع المصرفي، وثم قطاع الخدمات.
فأين نحن من كل ذلك؟
فجأة عرفنا أننا نعاني من خلل كبير، وأن هناك نقصاً في مداخيل الدولة بعد هبوط النفط، بينما نخشى إذا ما ارتفع النفط ثانية سنتجاهل تنمية الاقتصاد من خلال القطاعات المذكورة؟
هذا التوازن المطلوب تحقيقه يا سعادة الوزير، وليس وضع اليد على صندوق احتياطي الأجيال وتحويله إلى صندوق للتوازن، فقدنا التوازن للاقتصاد وتنمية القطاعات الداعمة له، واليوم نقول لمجلس النواب نريد تحويل صندوق الأجيال إلى صندوق للتوازن، ولا نعرف ماذا سيحصل لهذا الصندوق من نكبات وكوارث..!
** رذاذ
كنا في المدرسة في بعض حصص الرياضة يأخذنا المدرس إلى صالة التمارين، ونكون في غضب شديد عليه، لأننا نريد أن نلعب كرة، ولا نعرف أن نلعب الجمباز وغيره.
في بعض المرات يحاول المدرس أن يعلمنا التوازن، ويجعلنا نسير على قطعة خشب، ونفتح أيادينا لنتوازن حتى لا نسقط..!
كان المدرس على حق، كنا نحتاج إلى التوازن، وكنا صغاراً لا ندرك الصورة الكبيرة في ذلك الوقت..!
من يوم كنا صغاراً وإحنا نتعلم نمشي على الخشب ونتوازن، وإلى اليوم فاتحين أيدينا ونمشي مثل اللي يمشي في السيرك، نحاول نتوازن وسط كل الذي يجري لنا، إما أن نصل، وإما أن......!!