في منتصف التسعينات لانزال نستحضر مشهد امرأة غريبة المظهر تجوب الفرجان ومعها شخصان في سيارة عادية لم يوضع عليها اسم شركة المشروبات الغازية التي تدعي أنها جاءت من طرفها لعمل دراسة مسحية على المنازل!
جلست مع أحد الأطفال وأخذت تسأله أسئلة دقيقة جداً «كم عدد إخوانك؟ كم عدد أخواتك؟ كم يقدر راتب والدك؟ في أي جهة يعمل؟ وعندما أخبرها أنه يعمل في جهة أمنية أخذت تسأله عن اسم المكان الذي ينتظم بالدوام فيه! ولم تمر عدة أيام بعد أن عرجت على أكثر من منزل حتى انتشر خبر كان كما المفاجئة، عندما أعلنت الجهات الأمنية وقتها القبض على فتاة تجوب المناطق بشكل متخفٍّ لجمع معلومات لصالح جهات مشبوهة ضد الدولة!!
آلية جمع معلومات دقيقة وشخصية عن مجتمعاتنا لم تتوقف بالمناسبة، لانزال نراها وإن اختلفت الطريقة، فمع التطور التكنولوجي بتنا نرى من يرسل «برودكاست» يطلب فيه إرسال «السيرة الذاتية» بدعوى وجود وظائف شاغرة لدى جهة معينة ويضع فيها عنوان بريد إلكتروني شخصي، وللأسف الناس تتجاوب وتقوم بالإرسال دون التدقيق والتثبت، كذلك أخذنا نرى مسألة انتشار رسائل «برودكاست» على الهاتف بدعوى قيام المرسل الذي «يتعمد» إدراج اسم مألوف يتبع إحدى العائلات المشهورة في البلد الخليجي مع عنوان بريد إلكتروني يوضع على شبكة جوجل، ولو دقق في طريقة صياغة البحث لوجد أنه بعيد عن أهدافه الأكاديمية!
منذ فترة انتشر بحث يختص بتصورات وآراء البالغين في إحدى الدول الخليجية بدعوى أنه يختص بالتغذية والمجال الصحي والريجيم، نصف صفحات البحث تقريباً تحوي أسئلة عن معلومات شخصية تخص المشارك ليس لها علاقة بموضوع البحث، مثل، هل تعيش بوطنك أو بالخارج؟ ومتى كنت تعيش لأول مرة خارج وطنك؟ وفي أي عام؟ وإن كنت تعيش خارج الوطن هل للدراسة أو لقضاء إجازة أو للعلاج وكم المدة؟ هل أنت حامل؟ وفي أي شهر؟ ما هي جنسيتك؟ في أي منطقة تعيش؟ ثم سؤال أكثر دقة اذكر اسم المدينة أو القرية ثم ما هو موطنك الأصلي؟! ثم ما هي حالتك الاجتماعية وكم عدد الأفراد الذين يسكنون معك في المنزل؟ وهل لديك أبناء؟ وهذه الأسئلة إذا لم تجب عليها لا يمكن أن تكمل البحث لأنها إلزامية!!
من الأسئلة الدقيقة الأخرى، كم عدد الأطفال الذين يعيشون معك؟ يليه سؤال يحدد أعمارهم بالضبط «أقل من 18 سنة؟» وهل لديك كبير في السن تقوم على رعايته؟ وما هو نوع السكن الذي تسكنه؟ مشترك؟ طلابي؟ خاص؟ بيت ملك؟ بيت مستأجر؟ فندق؟!، وواضح أن من صاغ عبارة الفندق خليجي!! ثم سؤال مع من تعيش!! كم عدد سنوات التعليم التي أتممتها؟ ولأي مستوى؟ وما مقدار دخلك الشهري مع وضع أرقام دقيقة؟ وهل انتقلت لتعيش خارج بلادك أكثر من 3 أشهر؟ وما علاقة موضوع صحي بهذا الكم الكبير من البيانات التفصيلية خاصة وأنه معروف من الناحية الأكاديمية أن البيانات الشخصية لا تأخذ أكثر من صفحة واحدة وعادة ما تكون معلومات عامة لا تفصيلية وبهذه الدقة.
هذا فخ كبير من قبل جهات مدسوسة تطلب معلومات سرية عن مجتمعاتنا تأتيهم مباشرة من المواطنين أنفسهم وبدقة، ومن ثم هذا فخ لبحوث تكون تحت غطاء الدراسة والاستبيان وهي بالأصل بحوث سياسية لها استراتيجياتها بعيدة المدى، ولاحظوا أنه يشترط في المشاركة بالبحث البيانات الخاصة ومعلومات عن الشخص، بمعنى لن يتمكن المشارك من تجاوزها والاتجاه إلى أسئلة البحث مباشرة إلا من خلال الإجابة على هذه البيانات، وهناك جهات تدرس المجتمع الخليجي بعناية لاختراقه والسيطرة على أفراده فكرياً عن طريق هذه المواقع والبحوث، والواجب رفع مستوى الوعي عند المواطن وتنبيهه إلى عدم تقديم أي معلومات شخصية تخصه إلا بعد التثبت من الجهة المرسلة.
* إحساس عابر:
إلى اليوم لا نفهم سبب تعاستنا بدل فرحنا بالمطر، «مطرتين طقوا علينا وشفنا برك وأنهار وبحور في شوارعنا ومناطقنا أما منظر شفاطات المياه اللي من الصبح جالسه تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه ذي خلها على صوب!»، بالذمة وبالضمير الإنساني وبالضمير الوطني، ألا يوجد مسؤول واحد ينهي لنا هذا السيناريو المتكرر كل عام؟ لماذا لا تفتح لجنة تحقيق لمعالجة هذا الخلل والاستفسار عن مصير الموازنات الفلكية التي تصرف بدعوى تحسين البنية التحتية؟