قد تكون المصالحة بين دولتين، أو تكون مصالحة بين قوتين متكافئتين، وقد تكون مصالحة بين ندين، ولكن أن تكون مصالحة بين دولة ذات سيادة وقيادة وحكومة ومؤسسات وشعب يلتف حولها ثم تتصالح مع عدد من الأشخاص!! من هؤلاء ومن يكونوا؟ يقصدون أولئك الذين يستنجدون بإيران، أولئك الذين أعلنوا جمهورية ولاية الفقيه في الدوار، أولئك الذين نصبوا المشانق ووضعوا التوابيت، أولئك الذين هتفوا بإسقاط النظام، أولئك الذين حفروا الخنادق واحتلوا المستشفيات ويفجرون ويحرقون الشوارع ويسفكون الدماء، أولئك الذين يتخابرون مع إيران، ويمجدون إيران ويحلفون برأس إيران، أولئك الذين يتآمرون مع السفارات الأجنبية في البحرين، ويتخابرون مع الكونغرس الأمريكي، أولئك الذين يشهرون بالبحرين في المحافل الدولية، أولئك الذين يذهبون إلى جنيف يطالبون بتدخل أممي وعسكري في البحرين. نعم إنهم اليوم وغيرهم من المنافقين يحاولون أن ينزعوا هيبة الدولة، ويصنعوا من الموالين لإيران مكانة وهيبة بالضبط مثل «حزب الله» اللبناني والدولة اللبنانية، وذلك بعد أن سيطر الحزب اللبناني على كافة مفاصل الدولة بدءاً من المطار حتى قوات الجيش والأمن، وذلك بعدما أذعنت الدولة اللبنانية ودخلت معهم في حوار فمصالحة، ثم سلمتهم شيئاً فشيئاً الجمل بما حمل، حتى أصبح لبنان لا كلمة له، لا في داخل أرض ولا حتى على تل من تلاله، ولا له كلمة في محافل دولية، وليس له حضور دولي، وذلك عندما سلبه «حزب الله» جميع مقومات الدولة، وعلى رأسها الهيبة. ثم كيف للدولة أن تتصالح مع الانقلابيين؟ وتترك شعباً يلتف حولها، فهل من مصلحة الدولة أن تخسر شعبها، وتكسب مجموعة من الأشخاص مدعومين من إيران لينزعوا الحكم عنها؟ فماذا بعد المصالحة سيبقى للدولة؟ هل يبقى لها أولئك الذين احتلوا الدوار؟ أو ترحب بأولئك الذين يعملون في الخارج للإطاحة بالحكم ثم تسلمهم مؤسسات الدولة منهم وزير ومنهم وكيل ومنهم رئيس تنفيذي! إن أولئك الذين يدعون للمصالحة يعنون بذلك إفلات الإرهابيين من العقاب ومكافأتهم بمناصب وبهبات وعطايا وتطييب خاطرهم، وتسليمهم مؤسسات الدولة حتى يواصلوا التغلغل ليسدوا كل المنافذ كي لا تفشل مؤامراتهم القادمة، وقد رأينا كيف استغل نوابهم صلاحياتهم، وكيف ابتزوا المسؤولين في الدولة، بالترهيب أو الاستجواب، حتى تمكنوا أثناء مشاركتهم في البرلمان من التغلغل في مؤسسات الدولة وبالفعل تغلغلت ميليشياتهم، وتغلغل الكثير منهم في مؤسسات الدولة الحيوية بكافة الطرق والحيل، واليوم يسعون إلى تكملة المشوار، وما دعواتهم للمصالحة، والدفع الأمريكي لها إلا «طعم»، حتى يعود عملائها بقوة وثقة أكبر، لأن ساعتها سيكون لهم حساب ومهابة أمام المسؤولين في الدولة من وزراء ووكلاء، وكلمتهم ستكون «الماشية»، لأنهم أصبحوا نداً للدولة، نعم سيتعاملون مع مؤسسات الدولة ومع الدولة نفسها بنفس طريقة «حزب الله». ستكون عودتهم غير ما كانوا عليه، نعم سيدفعون بالبلاد إلى الفوضى، وذلك عندما تتخذ الدولة أي قرار يضر بمصالح إيران، حتى في علاقة البحرين مع دول مجلس التعاون الخليجي سيدسون أنوفهم، وسيقفون ضد أي قرار بمشاركة البحرين في قطع علاقة مع دولة عدوة، أو مشاركة في تحالف خليجي ضد إيران، أو قيام اتحاد خليجي، نعم لقد وقفوا ضد الاتحاد الخليجي مثل موقف إيران، فهم يزعمون أن السعودية «دولة أجنبية» وجيشها «جيش احتلال». نعم سيكون ثمن المصالحة غالياً، عندما تصنع الدولة من أقزام أنداداً لها في الحكم، تصنع من أشخاص مغمورين زعماء وأبطال، كما ستكون الخسارة أكبر عندما يصاب شعب البحرين الأصيل بخيبة أمل وحسرة. أن تكون دولة ذات حضارة عظيمة، تجعل لها نداً من أشخاص جاؤوا «توهم بالأمس» من دول مختلفة، منهم من إيران ومنهم من طاجيكستان، ومنهم من المحمرة، فهو قبر حفرته الدولة لنفسها، نعم سيصبحون مثلهم مثل «حزب الله» اللبناني الذي جعل من لبنان ولاية من ولايات إيران.