وأنت تمر بمراحل عمرك المختلفة، الطفولة، الصبا، المراهقة، الرجولة ثم الكهولة، يعني أنك تمر في أودية كثيرة، أودية بعضها جميل وبعضها الآخر أسوأ مما يمكن أن يتحمله جسدك الهش، والكثير منا، عادة ما ينسى هذه التجارب التي قد تكون جميلة، بسبب قسوة التجارب الجديدة، فيكبر لقوة هذه التجارب، ويصبح أكثر توازناً في حياته اليومية، وشيئاً فشيئاً، يفقد دهشة الطفولة التي كانت وراء سبب تمتعه بالحياة.
فقدانك لطفولتك ودهشتها، يجعل حياتك قابلة للروتين اليومي الممل والمزعج والذي يبعد عنك طعم الحياة.
ودائماً ما أقول إن الفنان المبدع، الشاعر، الفنان التشكيلي، الملحن، الكاتب الروائي، عندما يكبر الطفل داخلهم، فإنهم نادراً ما يبدعون في أعمالهم، الفنان الذي فقد طفولته معناه أصبح رقماً يضاف إلى أرقام الآخرين الموجودين معه فوق الأرض. إذا ما صادفت في حياتي أحد المبدعين، أكرر عليه، وبإلحاح: لا تفقد الطفل الذي يسكن داخلك.
وعادة ما أحيلهم إلى تجربة الشاعر الفرنسي الكبير ارثر رامبو، والذي نشر قصائده في الرابعة عشرة من عمره، وتوقف عن الكتابة وهو في الثامنة عشرة من عمره، وقد أثرت تجربته القصيرة تأثيراً كبيراً على الشعراء الذين جاؤوا بعده، وكتبت عنه آلاف الدراسات ومازالت تكتب في كل الجامعات من دراسات ماجستير ورسائل دكتوراه وغيرها.
من هنا أعمل على أن أبقي على الطفل الهاجع داخلي، أبقيه هناك، بحيث لا تستطيع، كل الظروف أن تحوله إلى إنسان بالغ، أو كبير، أو عاقل، أو واحد من الأرقام الكثيرة. إبقاء الطفل داخلك معناه إبقاء الدهشة التي تعطيك معناك، وتعطيك متعة الحياة، حيث صاحب الدهشة يملك حركات لا إرادية، وتكون تلك الحركات في جسد المندهش، ومنها الآتي:
* ارتفاع الحواجب لتصبح مقوسة وعالية.
* التجاعيد الأفقية في الجبهة.
* فتح الفم.
* وفي العموم المندهش قد لا يفتح فمه، لكن رفع الحاجبين لأعلى هي الحركة الأكثر دلالة على الاندهاش.
والدهشة أو المفاجأة، شعور يتجلى في الإنسان عند حدوث أمر لم يكن يصدق أنه سيحدث معه في يوم من الأيام أو في حياته.
من هنا أنت تلاحظ الأطفال حينما يرون شيئاً جميلاً مختلفاً عما تعودوا عليه يفتحون حلوقهم مندهشين من رؤية هذا أو ذاك من المناظر، فيصرخون كأنهم اكتشفوا عالماً آخر.
أقول لنفسي دائماً لا تكبر يا الشرقاوي. لا تتخلي عن طفلك الداخلي.
لا تكبر عن الإنسان الذي قادك إلى ما أنت عليه الآن، في هذه اللحظة، إن فقدت الدهشة، فقدت معناك، وإن فقدت معناك، فلا شيء يمكن أن يفعله كل ما حولك ليعيدك إلى ذاتك وإلى أحلامك الطفلية، والتي ليس مهماً أن تتحقق، بقدر ما هو مهم، أنها ساهمت في أن تعطي كل مرحلة من مراحلك العمرية السابقة، نكهة مختلفة وطعماً لا يوجد إلا مع الطفل الداخلي.
إن المتعة الحقيقية كما أراها هو أن تكون أنت الطفل دائماً، لا تهتم بآراء الكبار الذين يحاولون أن يجعلوا منك إنساناً حكيماً، قابلاً للسير مع الآخرين وأفكارهم، ومواقفهم من هذا الأمر أو ذاك.
أنت لا تحتاج أن تكون إنساناً غيرك. كن نفسك، كن حلمك، كن طموحاتك، ولكن ليس كما يطلب الآخرون، إنما كما ترى أنت، فإذا لم تكن تؤذي غيرك، من أهلك أو أصحابك، أو مجتمعك فأنت تسير في الطريق القويم.
كن طفلاً، اندهش بالوردة والموجة والمطر. اندهش في السفر، واكتشف كل يوم جديداً، تفتح برؤيته حلقك كاملاً، وترفع حواجبك عالياً.
إذا أردت أن تكون حياتك ممتعة، لا تحاول أن تكون غيرك، لا تحاول أن تكبر.