تابعت خلال اليومين الماضيين، تغريدات أنصار روسيا في العالم العربي، وتحديداً أنصار نظام الرئيس بشار الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث دشن المغردون المناصرون للأخيرين في عدد من الدول العربية، وسماً جديداً تحت عنوان «#اغضب _ يا بوتين» للتعليق على حادثة إسقاط تركيا للمقاتلة الحربية الروسية «سوخوي إس يو 24»، شمال غرب سوريا، وحرضوا فيه موسكو للرد على أنقرة، بقصفها وتدميرها وتهجير الأتراك، واعتبروا من وجهة نظرهم أن الدعم التركي للمعارضة السورية خاصة المعتدلة هو «دعم للإرهاب»، وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «تجاوز حدوده بدعم الإرهاب في سوريا».
ما نلاحظه جلياً في التغريدات، تجاهل القصف الروسي للمدنيين في سوريا. فمغردو بوتين والأسد لم ولن يغضبوا بأي حال من الأحول على أرواح الشعب السوري الذي تسقط عليه براميل الأسد المتفجرة يومياً، بل إنهم يؤيدون بالتأكيد التدخل الروسي في سوريا قمعاً للشعب وتثبيتاً لأركان النظام!
لكن السؤال، هل سيغضب بوتين بالفعل؟ وكيف سيغضب؟ وما هو حدود غضبه؟
لعل ما لا يدركه أنصار بوتين في العالم العربي، أن «قيصرهم» يواجه انتكاسات متلاحقة -منذ بداية التدخل العسكري الروسي وحملة القصف الجوية المركزة في سوريا نهاية سبتمبر الماضي- وأعتقد أنه ليس آخرها حادثة إسقاط المقاتلة الروسية بنيران المقاتلات «إف 16» التركية. فلم تمر على الحادثة 24 ساعة حتى قررت أوكرانيا منع جميع الخطوط الجوية الروسية من عبور مجالها الجوي في آخر تصعيد بين الجارتين بعد 19 شهراً من بدء الحرب الانفصالية شرق البلاد. وأعلنت حكومة كييف المؤيدة للغرب قرارها، بعد لحظات من إعلان موسكو عن خطط لوقف إمدادات الغاز إلى أوكرانيا اعتباراً من أمس الأول. ولا يؤكد هذان التدبيران مدى التوتر القائم في العلاقات بين البلدين فقط، بل يشيران أيضاً إلى مدى صعوبة حل إحدى أخطر الأزمات في أوروبا منذ حروب البلقان في التسعينات. والشهر الماضي، واجه بوتين انتكاسة كبرى، في حادثة تفجير طائرة الركاب الروسية «إيرباص إيه 321» فوق شبه جزيرة سيناء المصرية بعد 23 دقيقة من إقلاعها من مطار منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، وأسفر الانفجار عن مقتل جميع ركاب الطائرة الـ224 الذين كانوا على متنها، ولم تمض ساعات حتى أعلن تنظيم الدولة «داعش» مسؤوليته عن تفجير الطائرة، «رداً على التدخل العسكري الروسي في سوريا»، وفق ما ذكر بيان التنظيم. وبعدها بأيام أكد التنظيم المتطرف أنه «أسقط الطائرة بقنبلة انفجرت في الجو تم تسريبها إلى الطائرة عن طريق اختراق أمني لمطار شرم الشيخ».
الانتكاسات تلاحق «روسيا بوتين»، بعد ورطة التدخل العسكري في سوريا، وربما كان تعليق رئيس مجلس السياسة الخارجية والدفاع في الحكومة الروسية فيودور لوكيانوف واقعياً ومجسداً للحالة الروسية، عندما قال «عليك أن تكون مجنوناً بالكامل للاعتقاد، بعد كل ما رأيناه في الشرق الأوسط على مدى السنوات الـ15 الماضية، أن تدخلاً في حرب أهلية في الشرق الأوسط سيكون سهلاً وخالياً من المشكلات».
وقد تعرض بوتين لحملة شرسة من المحللين والمراقبين المحليين على خلفية مقتل أحد الطيارين الروسيين وجندي آخر خلال عملية فاشلة لإنقاذ طاقم الطائرة المنكوبة التي قتل أحد أفراد طاقمها بينما تم إنقاذ الآخر على يد القوات الخاصة الروسية. واتهم المراقبون بوتين باقتياد روسيا إلى شفا حرب مع عضو في حلف شمال الأطلسي، في إشارة إلى تركيا، مشيرين إلى أن «الإذلال الدولي للمغامر العسكري يتم بطريقة أو بأخرى».
واعتبر بعض المحللين الروس أن تركيا أسقطت المقاتلة الروسية بسبب غضبها من موقف بوتين المتسلط حيال النزاع السوري والتجاهل الواضح لمصالح أنقرة في سوريا.
وفي حين يصر بوتين على أن الطائرة لم تشكل تهديداً لتركيا، تقول أنقرة إن موسكو تقصف التركمان في سوريا، وهم أقلية تعتبرهم تركيا حلفاء في مواجهة نظام الأسد. ومن هذا المنطلق، رأى المراقبون أن «الأتراك يريدون من روسيا أن تعترف بأن هناك منطقة على طول حدودها غير صالحة للقيام بطلعات جوية وغارات، فروسيا لا تقوم بمجرد قصف التركمان، إنها تمهد ممراً لهجوم من قبل الأسد و»حزب الله» الشيعي اللبناني، وهذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تطهير عرقي للتركمان، وهو أمر غير مقبول بالنسبة إلى تركيا».
ويبدو أن بوتين لم يتعلم من أخطائه، ولن يتعلم، ولم يأخذ العبرة من تجربة بلاده الفاشلة في أفغانستان، فقد كانت الأخيرة حفار قبور الإمبراطورية الروسية في الثمانينات. وقد قرر عقب الحادثة الأخيرة تعزيز قوته النارية في سوريا بإرسال أنظمة الدفاع الجوي «صواريخ إس 400» الأكثر تقدماً إلى قاعدتها الجوية في حميميم بسوريا، وبناء على ذلك، فإن الحشد العسكري سيزيد بدوره من مخاطر وقوع حوادث جديدة، لأن المنطق يقول «كلما طال أمد العملية العسكرية، زادت المخاطر».
ولاشك في أن حادثة إسقاط المقاتلة الروسية ستوجه ضربة قاصمة لمباحثات فيينا حول سوريا، وهذا ما جعل وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير يدعو روسيا وتركيا إلى «الحذر» و»التعقل» بعد الحادث، معرباً عن تخوفه من «أن يكون بصيص الأمل الذي بدأ يظهر أثناء محادثات فيينا حول النزاع السوري في طور التلاشي».
الأمر الآخر الذي ستسفر عنه الحادثة، أنه من غير المرجح أن تتوحد القوى العالمية والإقليمية في تحالف واسع ضد «داعش»، والذي دعت إليه روسيا مؤخراً، نظراً إلى الاختلافات الصارخة حيال النزاع السوري، وليس أقلها حول مصير الأسد، صديق موسكو وعدو تركيا والغرب وبعض الدول العربية.
* وقفة:
هــــل ستــــؤدي حادثة إسقاط المقاتلة الروسية بنيران الطائرات التركية قرب الحدود السورية إلى دعم توجه أنقرة بإقامة منطقة آمنة شمال سوريا، يتم فيها حظر طيران قوات نظام الأسد وتكون خالية من عناصر تنظيم «داعش»؟