هل تتخبط أوروبا في تعاملها مع الشرق الأوسط؟ أم مازالت ترى جدوى أن تكون سياستها الخارجية تابعة للسياسة الأمريكية في المنطقة؟
بعد ضربات باريس الإرهابية صار الهدف هو تنظيم «داعش»، ولذلك أعلنت الحكومات الأوروبية أنها ستسعى وراء هذا التنظيم سواءً كان في الشرق الأوسط، أو في القارة العجوز. ولكنها لاحقاً بعد أن قامت بملاحقة الإرهابيين الأوروبيين على أراضيها، أكدت أنها لن تتورط في عمليات عسكرية برية من أجل مواجهة «داعش»، بل ستركز جهودها على عمليات عسكرية جوية، مما يعني تدميراً أكبر للدولة السورية أو لما تبقى منها.
إذن الاستراتيجية الأوروبية الجديدة بعد أحداث باريس لن تتجاوز الاستمرار في تبعية السياسة الأمريكية القائمة على «اللامبالاة»، بالإضافة إلى امتصاص استياء الرأي العام الأوروبي بتوجيه ضربات عسكرية لأهداف في المنطقة استهدافاً لـ «داعش».
هذه الإستراتيجية لم تختلف كثيراً عن سابقتها، وهو ما يفتح المجال أمام ديمومة الصراع، واستمرار تدفق اللاجئين من بؤر الصراع في منطقة الشام العربي، ومن القارة الإفريقية. وبالتالي تزايد فرص الإرهاب مستقبلاً في أوروبا.
الإستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس باراك أوباما والتي شارفت على الانتهاء اعتمدت كثيراً على عدم الحسم، وعدم التدخل، والحد من النفوذ، وهو ما كوّن فراغاً سياسياً هائلاً في المنطقة حتى بات نفوذ واشنطن محدوداً للغاية في الكثير من القضايا، وصارت القناعة بأن واشنطن لا ترغب في الاستمرار بتحمل مسؤولية أزمات المنطقة رغم تورطها في إشعالها قبل فترة قصيرة.
مثل هذا الوضع تتأثر به أوروبا الآن كثيراً، وهو ما يفتح المجال أمام صراع قوى جديد في الشرق الأوسط، ولن يكون الفاعلين هنا قوى دولية فحسب، بل هناك قوى إقليمية لها مصالحها ومساعيها لدور إقليمي وبناء النفوذ في منطقة شاسعة مضطربة.
دولياً لدينا روسيا التي تحاول ملء الفراغ الأمريكي والأوروبي والتأكيد على قدرتها في الهيمنة الإقليمية مدفوعة بحلفاء تقليديين، وبرغبة قديمة للانتقام تعود لثمانينات القرن العشرين. ولا يبدو أن هناك قوة دولية لديها الرغبة في منافسة موسكو على المنطقة. أما إقليمياً فهناك الكثير من القوى أبرزها الرياض وطهران وأنقرة وجميعها لديها إستراتيجيات متنافسة لن تتوقف حتى تحقق أهدافها المرحلية استراتيجياً.
من الواضح أن خيارات أوروبا ستبقى مجهولة، وتعتمد بدرجة كبيرة على الانتظار، وتغيير الأهداف سريعاً طبقاً للمتغيرات في الشرق الأوسط. ولذلك يمكننا القول إن خيارات أوروبا تجاه المنطقة الآن محدودة ومجهولة.