في شتاء طهران القارس، وعلى مائدة عشاء فاخرة نهاية العام 1943 اجتمع رؤساء ثلاث دول، وهم: رئيس الاتحاد السوفيتي السابق جوزيف ستالين، والرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت، ورئيس الحكومة البريطانية ونستون تشرشل. وخلال حفل العشاء تحدث ستالين واقترح إعدام ما بين 50 ألف ـ 100 ألف من ضباط الأركان الألمان، ولكن الرئيس الأمريكي ضحك وقال بأنه سيعدم 49 ألف ضابط. أما الرئيس تشرشل فتحفظ على أفكار الرئيس الأمريكي والسوفيتي وأكد عدم إمكانية إعدام جنود حاربوا من أجل بلادهم، ولذلك يجب أخذ الجنود إلى ساحة الإعدام ويطلب منهم قتل أنفسهم بنفسهم.
هذا العشاء التاريخي يوثقه المؤرخون بأنه بداية تأسيس محكمة نورنبيرغ التي حاكمت أركان النظام النازي بعد الحرب العالمية الثانية لاحقاً، ووجهت لهم اتهامات بالتآمر، وجرائم ضد السلم، وجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية للمتهمين، فأدانتهم وأعدمت عدداً منهم، وسجنت الآخرين سنوات طويلة. ومن بينهم رئيس هيئة عمليات القيادة العليا للقوات المسلحة الألمانية ألفرد يودل الذي صدر ضده حكم بالإعدام ونفذ خلال أكتوبر 1946، ولكن في العام 1953 أعلنت المحكمة براءته بعد مرور 7 سنوات على إعدامه!
أكثر من 4 ملايين قتلوا في الشرق الأوسط منذ اندلاع الفوضى التي أثارتها الإدارة الأمريكية عندما وقع الرئيس الأمريكي بيل كلنتون في أكتوبر 1998 قانون تحرير العراق، ثم انتشرت الفوضى الخلاقة في عهد الرئيس جورج بوش الابن تحت ادعاءات باطلة كامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، أو باسم الديمقراطية أو من أجل محاربة الإرهاب.
رغم هذه الفوضى المستقرة والعارمة، فإن الغرب لم يثبت حتى الآن امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، ولم ينجز هدفه بالقضاء على الإرهاب الذي مازال مستمراً حتى وصل القارة الأوروبية، ولم يتمكن من بناء نموذج ديمقراطي في الشرق الأوسط حتى الآن!
فلماذا كل هذه الفوضى التي تحفظ أمن واستقرار الشرق الأوسط، ولم تأت إليه بالديمقراطية، ولم تجتث منه الإرهاب والأصولية؟
والسؤال هنا، إزاء هذه الفوضى هل يحق للعرب والدول العربية المطالبة بمحاكمة من أثار الفوضى في دولهم ومجتمعاتهم، كما فعل قادة الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؟ ومن الذي يتحمل الخسائر الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه الفوضى بإثارة ثورات أو نشر جماعات راديكالية على غرار «داعش» و»القاعدة» و»حزب الله» في المنطقة؟ وهل هناك حاجة لمحكمة دولية فاعلة لمحاكمة المتورطين؟