نعيش خللاً فادحاً لسنوات طوال.. تترجمه أرقام دراسات وتقارير عالمية سنوياً، ونتعاطى مع هذه الأرقام على أنها مسلمات الوطن العربي وثوابته التي لن تتغير، ونلقي باللوم على تكاسل الشعوب وتراجع وعيها، ونكتفي مبتهجين بدور بضعة مثقفين مهمشين عندما تحين المناسبة لذكرهم في بعض المحافل، كان هذا ديدن أوطاننا في التعاطي مع مؤشرات قراءة الطفل العربي البالغة 6 دقائق في العام مقارنة بـ12 ألف دقيقة في الغرب حسبما ورد في تقرير التنمية الثقافية الذي تصدره مؤسسة الفكر العربي، كما يبلغ معدل القراءة للفرد العربي ربع صفحة سنوياً مقارنة مع 11 كتاباً في أمريكا، وسبعة كتب في بريطانيا، حسب دراسة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر. ما أكثر مشخصي المشكلات في بلداننا الخليجية والعربية، وما أكثر المنادين بحلها بطرق عملية ومجدية، إلا أنهم نادرون أولئك الذين يتجاوبون مع تلك الحلول من موقع المسؤولية، وهو ما لمسته بشكل منقطع النظير في تنافسية الإمارات العربية المتحدة وريادتها اللافتة، الأمر الذي تترجمه المبادرات واحدة تلو الأخرى ومشروعات مختلفة التخصصات، كثير منها يغطي المستوى الخليجي أو العربي، وكان آخرها «تحدي القراءة العربي»؛ أكبر مشروع أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتشجيع القراءة لدى طلبة المدارس من الصف الأول الابتدائي حتى الثاني عشر، انطلاقاً من رؤيته «أول كتاب يمسكه الطلاب يكتب أول سطر في مستقبلهم».
تهدف المبادرة لقراءة خمسين كتاباً من قبل كل طالب مشارك سنوياً، وهو ما يمثل الرؤية التي ترجمها سموه في لقاء صحافي قال فيه إن «العالم العربي اليوم يمر بأزمة قراءة ومعرفة، والأرقام التي نسمعها في هذا المجال صادمة. نحن من أقل المناطق في العالم من حيث القراءة.. ونتائج ذلك التأخر المعرفي نراه كل يوم في التأخر الحضاري والفكري لمنطقتنا. وهذا التحدي اليوم هو خطوة أولى، نتمنى أن يكون لها تأثيرها على المدى البعيد في إصلاح هذا الخلل». وأضاف سموه «القراءة هي مفتاح المعرفة.. والمعرفة هي مفتاح النهضة الحضارية. وتعزيز الانفتاح المعرفي والثقافي يبدأ من الطفولة، وغرس حب القراءة في نفوس الصغار هو غرس لأسس التقدم والتفوق لبلداننا». اعتدنا في وطننا العربي، وفي الخليج تحديداً أن ننصدم لكل منحنى نشهده، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً، تهزنا أبسط المتغيرات، ويرعبنا أي تقدم في مجال ليس لدينا القدرة لمواكبته، نشأنا نلطم على صدورنا عندما تحل بنا الكوارث والأزمات ونتبجح «إنها المؤامرة»، لا.. إنه الوعي في انحدار بلا هوادة، والتخلف المتواري بقشور الحضارة وبهرج الاستهلاك، والتعامي عن ضعفنا وقلة إدراكنا، المجتمعات المتقدمة لم تسبقنا في المقاهي ولا في التسكع في الشوارع، المجتمعات المتقدمة سبقتنا بسلاح لم نلقِ له بالاً اسمه العلم، والمعرفة. المجتمعات المتقدمة سبقتنا إذ غرست في نفوس أبنائها قيمة المعلومة وأهمية القراءة وكيف أن الإنسان الذي لا يعرف شيئاً لا يمثل شيئاً.. هذه المعادلة باختصار هي التي جعلت من منطقتنا كلها صفراً على الشمال لسنوات طوال.
- اختلاج النبض..
التعويل كل التعويل على حجم الاستجابة لتلك المبادرة الهامة لبناء جيل واعد، يسهم في صناعة مستقبل مشرق لمنطقة أسهمنا بتخاذلنا فيما تعانيه اليوم بامتياز، وشكراً بحجم الجهود وحجم التطلعات لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتلك الالتفاتة القيمة.