فشلت الدول الكبرى في تحجيم تنظيم «داعش» في مكانه الجغرافي بالشرق الأوسط فقط، بإصرارها على عدم الدخول في حرب برية في معاقله بسوريا والعراق، وسرعان ما برهنت تفجيرات باريس، أن تخوفات تمدد التنظيم أصبحت واقعاً، والآن تبدأ حرب أخرى ضمن تعبير «الحرب على الإرهاب».
وربما تعطي تفجيرات باريس كذلك براهين داعمة للذين وقفوا في وجه اللاجئين السوريين والعراقيين إلى أوروبا، وقادوا حربهم العنصرية وتمييزهم الديني بين اللاجئين، وتخوفاتهم من أن يستخدمهم «داعش» كحصان طروادة لنقل «الداعشيين» إلى أوروبا.
وحرب أسفيرية أخرى بدأت ضد «داعش»، فقد أغلق «تويتر» مئات الحسابات التي تبث دعاية التنظيم وتساهم في تجنيد أعضاء جدد، فيما أعلنت مجموعة «أنونيموس» نيتها معاقبة التنظيم بعد اعتداءات باريس، بشن حملة هجمات سيبرانية على الحسابات الإلكترونية الخاصة بـ»داعش»، بعدما كانت قد اختفت لفترة من الوقت منذ أحداث «شارلي إيبدو» في يناير الماضي. لابسوا قناع «جاي فوكس» الشهير، والمعروفون بـ»أنونيموس»، أفراد متفرقون من جنسيات مختلفة، وغير محددين، وهم قراصنة معلوماتية يعملون عبر الاختراق البرمجي، ويختبئون في مواقع التواصل الاجتماعي، يعلن واحد الحرب على جهة ما في شريط فيديو عبر صوت آلي وشخص يرتدي قناعاً مبتسماً، فيتسابق آخرون من أصقاع «الطريق فائق السرعة» للمعلوماتية، لينجزوا خرقاً هنا وقرصنة هناك، دون أن يكون هناك رابط يجمعهم. كان أول ظهور لهذه المجموعة في عام 2003، وتمثل مفهوماً لمستخدمي الإنترنت وغير المستخدمين معاً، الموجودين كمجتمعات يُطلق عليها مجازاً «الدماغ العالمي الرقمي اللاسلطوي»، وهم يمثلون العمل الجماعي العالمي للاختراق، ويصفهم البعض بـ»المقاتلين الرقميين».
صنفت شبكة «سي إن إن» المجموعة عام 2012 كأحد أهم ثلاثة خلفاء لـ»ويكليكس»، وصنفتها مجلة «التايم» الأمريكية كواحدة من أكثر المجموعات تأثيراً في العالم.
ومعروف أن لتنظيم «داعش» قدرات متطورة فيما يتعلق بالمجال الإلكتروني، ففي أبريل الماضي نفذ التنظيم هجوماً إلكترونياً على شبكة تي في 5 موند (TV5 Monde) الفرنسية الدولية، ونشر رسائل تهديد بعد اختراق موقعها. «الحرب أُعلنت»، كانت ختام كلمات ذلك «الأنونيموسي» في الفيديو الذي ظهر عقب تفجيرات باريس، ترى هل يمكن أن تؤثر حرب مجموعة المجهولين الإلكترونية على تنظيم لا يتورع في القتل والتفجير؟
راهناً السباق على أشده في هذه الحرب «السيبرانية» المقبلة، بين «داعش» و»أنونيموس»، وتأخذ تنوعاتها بين «حرب الإرشادات» و»حرب الأوصاف»، فبعدما أطلقت المجموعة ثلاثة إرشادات على قناة «IRC» تتيح الاشتراك في حملة للحرب الإلكترونية الجماعية على «داعش» والتي تعرف باسم «OpParis»، عرض التنظيم إرشادات حول كيفية الحماية ضد الهجمات الإلكترونية لأعضاء التنظيم.
وفي الوقت الذي وصفت فيه المجموعة أفراد التنظيم بأنهم «الآفات التي تقتل الأبرياء»، وصفهم «داعش» بأنهم مجموعة من «الحمقى». وأعلنت «أنونيموس» نجاحها في اختراق ما يقرب من ستة آلاف حساب لتنظيم «داعش» على «تويتر» في غضون ساعات، وفي كل لحظة نتوقع أن تستعر الحرب الإلكترونية بين الجانبين.
لقد أنتجت ثورة تكنولوجيا المعلومات مفاهيم جديدة، بالإضافة إلى مؤثرين جدد في الحراك العالمي، على كافة المستويات، وها هي حرب إلكترونية بدأت، وكأني بلابسي قناع «جاي فوكس» الشهير وإرهابيي تنظيم «داعش» يصطفون على جانبي الطريق فائق السرعة للمعلوماتية وهم يشهرون «سيوفاً» لمبارزة ليست متكافئة في ظل وجود «داعشيين» على الأرض يقتلون هنا ويفجرون هناك، بينما «الإسفيريون» يجلسون أمام شاشات عرض وهم مختبئون في مدن «تبيعك تذكرة للهروب».