لطالما ردد خطابهم وأشاع أن القضاء مسيس وأن الأحكام جميعها مسيسة، لطالما ردد أن هناك «موالاة» تحتمي بالنظام وأن هناك «معارضة» يحاربها النظام، لطالما ردد أن الدولة مظلة للفكر الداعشي والسلفي بشكل عام، لطالما ردد أن هناك اضطهاداً للشيعة من قبل جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
كان هذا الخطاب يبني الحواجز الواحد تلو الآخر بين الدولة وبين العديد من أبناء الشيعة الذين يثقون فيه كمصدر للمعلومة والرأي والتحليل، كان خطاباً هادماً للجسور معمراً للحواجز في عملية حفر يومي يقوم بها هذا الخطاب في الذهنية والذاكرة منذ أوائل التسعينات وحتى اللحظة، ويتحمل جزءاً كبيراً من هذه الهوة الفاصلة بين فئات من المجتمع وبين الدولة.
وها هو دليل جديد صدر أمس يضاف للعديد من الأدلة على كذب هذا الخطاب وافترائه، ها هو حكم يصدر في صالح اثنين من أصحاب الخطاب الذي يجهد في بناء هذه الحواجز ليدحض سيل الاتهامات التي دأبا على تعزيزها بشكل يومي، لم يحل بين القضاء وبين العدل كون الحكم في صالح شيعة أو في صالح من يدعون أنهم «معارضة»، ولم يحل بين العدل وبين القضاء أن صاحب الدعوة محسوب وفق تصنيف خطابهم من «الموالاة» وأن صاحب الدعوة يتظلل بالدولة وبسلطاتها في دعم تنظيمات متطرفة.
ها هي السلطة القضائية تحكم باستقلالية تامة دون تدخل ودون محاباة، فهل سيرتدع أصحاب الحواجز ويقولون كلمة حق في السلطة القضائية التي شوهوها؟ هل سيراجعون ضميرهم ويعملون على إعادة بناء جسور الثقة بين السلطة القضائية وبين فئات من المجتمع البحريني التي عمل خطاب هذه الجماعات على التشكيك دوماً في نزاهتها وفي استقلاليتها؟
أشك في ذلك فبناء الجسور بين سلطات الدولة وبين فئات المجتمع البحريني سيحول بين هذه الجماعة وبين تلك الفئات، وربما تعزز الثقة في القضاء الثقة في الدولة وفي هذه الحالة سيمتنع عنها رافد من روافد مشروعها.
فمنذ عام 1995 والشعب البحريني يتصدى لمشروع إسقاط الدولة بالرد على هذه الافتراءات وتفنيد هذه الادعاءات، ويبني جسوراً يهدمها هذا الخطاب ليبني بدلاً منها حواجز.
منذ أكثر من عشرين عاماً لم تتوقف الصحافة البحرينية عن التصدي لهذا الحفر الهادم اليومي منذ كان خطابهم في منشوراتهم «حركة أحرار البحرين» إلى أن أصدروا جريدتهم لم يتغير الخطاب، لأن الهدف لم يتغير والمشروع لم ينقص.
كذبوا على التعديلات الدستورية وانتقصوها وكذبوا على القضاء وانتقصوه وأذكر مساجلاتنا معهم عام 2002 حول جدية المحكمة الدستورية من عدمها كأحد منجزات المشروع الإصلاحي، وبعد أن شككوا فيها وأنكروا جديتها استعانوا بها بعد أن شكلت في الطعن على قوانين صادرة قبل وبعد تأسيسها، بل وحكمت المحكمة لصالح طعونهم لكنهم لم يملكوا الجرأة والشجاعة للإقرار بخطأ ظنونهم وسوء تقديرهم، وأبقوا على رأيهم الخاطئ المضلل فكانوا كمن يأكل من الماعون ويبصق فيه!! لهذا أشك أيضاً في إقرارهم اليوم بخطئهم الذي ارتكبوه في حق السلطة القضائية.
مشروع إسقاط الدولة الذي تتبناه جماعة «حركة أحرار البحرين» حتى اليوم دون كلل أو ملل لم يتغير، حتى بعد الميثاق وبعد الإصلاحات السياسية، وبعد السماح لأعضاء الحركة بالعمل السياسي المرخص، تغيرت الأدوات والمشروع واحد.
أصبح للحزب الذي تنتمي له الحركة صحف وحزب سياسي مرخص والاثنان يعملان بلا كلل على بناء الحواجز بين الدولة وبين من يدعون تمثيلهم، وكلما هدمت الدولة جداراً وبنت جسراً بنت هذه الأدوات جدارين بدلاً منه.
إنما نعاهد الله وضميرنا وهذا الوطن أن صحافتنا الحرة ستواصل ما دأبت عليه منذ 1995 حتى اللحظة، ولو مد الله في أعمارنا سنظل نهدم حواجزهم ونبني الجسور ونكشف ادعاءاتهم وكذبهم وافتراءهم.