والله الوضع مقلق، ولا يمكن اعتبار أي شخص واعياً لما يحصل أو قد يحصل في المستقبل، إن وجدناه يهون الأمور ويواصل الكلام بصيغة أن «الأمور طيبة».
يقشعر بدنك فقط حينما تقرأ التصريحات المتبادلة بين وزراء الحكومة ونواب البرلمان بشأن الدعم والدين العام والموازنة، القلق على هذا المواطن، وكيف يمكن أن نعمل من أجله ونحقق له طموحاته وآماله، بينما الحديث كله مغلف بالتوجس من المستقبل.
السجال بشأن رفع سقف الدين العام ليصل إلى 60% يبعث على القلق. نحن نعاني الآن من بلوغ الدين العام لحاجز السبعة مليارات دينار، وهو السبب الرئيس في «تجميد» عديد من الأمور التي طالب بها الناس في شأن تحسين المعيشة ورفع الرواتب وتطوير الخدمات، وهي أمور كلها وردت في البرامج الانتخابية للنواب، الأمر الذي يجعلهم في أشد المواقف حرجاً مع المواطن حينما يعجزون عن تحقيق أبسط مطالبه.
الناس انتخبوا النواب ليكونوا صوتهم وليحققوا مطالبهم، لكن ماذا يفعل النواب إن كانت ذرائع «الميزانية» و»الدين العام» و»العجز الإكتواري» كلها «حوائط صد» أمام أي تحرك باتجاه تحقيق ما يريده الناس؟!
وهنا لن نبرر للنواب، خاصة وأن بعض المقترحات التي يتقدمون بها تبعث على الاستغراب بشأن أهميتها وتوقيتها، الناس تريد «اللب» من المواضيع الهامة ولا يهمها «قشور» الأمور، من أمور لو لم تتحقق فإنها لن «تربك» حياة الناس.
التبريرات التي يقدمها المسؤولون عن الملف الاقتصادي في البحرين بحد ذاتها تحمل «مسجات» تروع الناس. فإلى جانب محاولة التبرير بأن رفع سقف الدين العام إلى 60% ما يعني أننا قد نصل لحاجز العشرة مليارات دينار أمر طبيعي، وأن هذا أمر لازم وحتمي حتى يتم تسيير أمور الناس المتعلقة بالخدمات وحتى الرواتب، نجد في جانب آخر استمراراً لصدور تصريحات مقلقة بشأن امتداد رفع الدعم ليشمل أموراً أخرى تأثيرها أكبر وأعظم من مسألة رفع الدعم عن اللحوم، إذ تخيلوا لو رفع الدعم عن الكهرباء ما الذي يمكن أن يحصل في البلد وفي أوساط الناس؟! بعض الفواتير قد يصل مجموعها لأكثر من راتب ذي حد أدنى، فماذا سيفعل المواطن؟!
وهنا برجاء ألا يخرج علينا أحد ليتهم الصحافة بأنها «تهول» وأنها سبب في «إقلاق الناس»، إذ العكس هو الصحيح، نحن نكتب نبض النواب وهواجسهم التي يتعامل بعض المسؤولين معهم وكأنهم لا يعرفون عنها شيئاً.
بعض التصريحات الرسمية هي التي تبعث على القلق، إضافة لبعض التبريرات الهلامية والتصريحات التي «لا يمكن قياسها» من ناحية مصداقية التحقق وضمان النتيجة.
نحن لا نريد كلاماً جميلاً منمقاً بهدف طمأنة الناس فقط وامتصاص ردات أفعالهم، نريد أفعالاً وخططاً واستراتيجيات تنشر ويتم تعرفة الناس بها تبعث فيهم الاطمئنان والثقة بأن هناك مساعي جادة لحل الأمور دون اللجوء للتضييق عليهم في معيشتهم، ودون اللجوء لجعلهم أول من يدفع ضريبة ما وصلنا إليه من وضع مالي، من البديهي أنه نتيجة لإدارة لسياسة لم توفق في إدارة المال العام والاقتصاد الوطني بالفعالية المطلوبة.
وبعيداً عن ذلك كله، التبرير بأن عدم تمرير طلب رفع سقف الاقتراض، وأن إصرار النواب سيعطل أموراً حيوية للناس تدخل تحت خانة الخدمات، فإننا نقول بأن النجاعة تكمن في إيجاد حلول لا تجعل المواطن طرفاً في المعادلة ولا تؤثر على وضعه، وهنا نصر على أن الأمور التي ذكرت واعتبرها النواب وكأنها «تلويح» كنتيجة لرفضهم القبول برفع السقف، هذه الأمور التي تمس المواطن يمكن الاستعاضة عنها بوقف أنشطة أخرى ومشاريع لها ميزانيات كبيرة لا يرى لها المواطن أولوية -هذا إن أخذتم رأيه- كبعض الفعاليات الخارجية وبعض مشاريع الإنشاءات الكمالية مثل مجلس النواب الجديد وغيره وبعض المرافق الترفيهية وبعض مشاريع الوزارات.
كل مشكلة ولها حل، لكن كيف تأتي الحلول الصحيحة ونحن أول ما نفكر فيه كحل، هو اللجوء للتقصير على المواطن، وبشعار أننا نخدمه؟!
فقط أتساءل: متى نعمل «بالفعل» من أجل المواطن؟!