كان ولايزال الدين من الفاعلين السياسيين في الأنظمة الخليجية، فرغم أنه يشكل الجزء الأهم من هوية مجتمعات وشعوب المنطقة، إلا أنه استخدم كثيراً وبات قضية شائكة عندما يتم الحديث عن علاقة الدين بالدولة في الخليج العربي.
لتبسيط دور الدين في السياسة، يمكن ضرب مثالين هنا؛ الأول يتعلق بقيام رجال الدين باستغلال الدين كأيديولوجيا محتكرة لاكتساب النفوذ السياسي، وبالتالي فإن ما ينتجه رجل الدين يصبح أمراً ملزماً عند كثير من الأفراد. أما المثال الثاني، فهو ربط الحكومات الخليجية خدماتها ومساعداتها للمواطنين باعتبارات دينية تقوم على الوجوب الشرعي للحكومة تقديم مثل هذه الخدمات، بحيث تكون المسألة ذات تأصيل شرعي لأنه حق من الحقوق الشرعية.
مثل هذه الظواهر سائدة ومعروفة في الدولة الخليجية الريعية، فكيف ستكون علاقة الدين بالدولة، وعلاقة المواطن بالدين وما يترتب عليه من ظواهر وقضايا معقدة؟
لن يتغير كثيراً دور الدين في الدولة الخليجية ما بعد الريع، لأنها جزء أساسي من هوية المجتمع وتفاعلاته. ولكن الدولة التي استخدمت الدين في التعامل مع قضايا كثيرة قد ترى في هذه الأداة السياسية عدم جدوى وتراها ذات فاعلية أقل من السابق. لأن المواطنين في الخليج كانوا يعتمدون كثيراً على الدين في القبول الطوعي للكثير من القرارات والسياسات الحكومية، ولكن الوضع الآن اختلف تماماً وباتت فرص التحفظ والرفض السياسي أكبر من ذي قبل، وهو ما يمكن أن يكون في شكل حركة رفض جماعي.
هذه الحقيقة ستؤثر كثيراً في تراجع استخدام الدين كأداة من الأدوات السياسية سواءً من قبل الحكومات، وحتى من قبل الفاعلين السياسيين الآخرين، مما يؤدي إلى تراجع أكبر لنفوذ القوى السياسية المختلفة التي تستخدم الدين كأيديولوجيا خاصة بها. ومثل هذه الأجواء مرّت على مجتمعات الخليج العربي خلال خمسينات وستينات القرن العشرين بشكل واضح.
بالإضافة إلى ذلك فإن فكرة تراجع دور الدين في دول مجلس التعاون في فترة ما بعد الريع لا يعني أن هذه المجتمعات ستتجه إلى التحرر أكثر، أو أن تطغى عليها نزعة ليبرالية، رغم التحولات الكبيرة التي تشهدها هذه المجتمعات بسبب مظاهر العولمة.
باختصار يمكن القول إن الدور السياسي للدين الذي كان سائداً في مرحلة الدولة الريعية سيتبدل كثيراً، وستكون أدواره محدودة وتقتصر على الجوانب الأخلاقية والاجتماعية لا أكثر. خاصة وأن مخاوف الأفراد ازدادت كثيراً نتيجة ظاهرة ربط الدين بالإرهاب عالمياً.