النخب في المجتمعات الخليجية دائماً ما توصف بأنها جامدة ولا تتغير، وهذا الوصف يتم تسويقه أو وصفه كتحليل على النخب الحاكمة فقط، في الوقت الذي يتم تجاهل بقية النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية رغم أنها الأكثر جموداً مقارنة بالأولى.
النخب بشتى أنواعها لم تتغير كثيراً في الدول الخليجية خلال حقبة الدولة الريعية، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى طبيعة آليات توزيع النفوذ والسلطة والثروة في الأنظمة الخليجية الحاكمة، بالإضافة إلى أن فترة الدولة الريعية كانت محدودة ولم تكن طويلة نسبياً؛ فهي تصل في حدها الأدنى 44 عاماً وحدها الأقصى 83 عاماً.
لكننا الآن بصدد مرحلة انتقالية تاريخــــية ينتهي فيها الريع، ومن الصعب جداً أن تكــــون النخب التي امتلكت النفوذ ســــابقاً أن تواصــــل نفوذها بنفس الطريقة والآلــــــيات في فــــترة ما بعد الريع، فالمجتمعات اختلفت، والظروف تبدلت، والمتطلبات تغيرت، والاحتيـــاجات تباينت، والنخب يجب أن تستوعب كل هذا قبل أن تصل إلى مرحلة لا يمكــن فيـــها الاستــيعاب.
النخب النافذة في مرحلة الدولة الريعية استفادت كثيراً، وكونت لها شبكات نفوذ وثروة والدول الخليجية ساهمت في صناعة هذه النخب ومد نفوذها. واستمرار تلك النخب يعني تعقيد مرحلة التحول التاريخية الحالية، وزيادة المخاطر، وتعظيم السلبيات المتزامنة مع التحول.
الحاجة الآن تبرز في نخب جديدة قادرة على إدارة الدول الخليجية وتفاعلاتها في مرحلة ما بعد الريع. ومن المفيد للغاية أن الدول الخليجية جربت الكثير من النخب المتعاقبة طبقاً لأيديولوجياتها، وبات معروفاً من هي النخب التي تملك القدرة والإمكانيات بعيداً عن المصالح والارتباطات الخارجية أو الولاء للأيديولوجيا على حساب المصلحة الوطنية أو تحويل الأيديولوجيا إلى مصلحة وطنية بالنسبة لها.
لا أعتقد أن الجماعات السياسية أو النخب ذات التوجهات الدينية ستكون مناسبة لأن تكون محور تفاعلات ما بعد الدولة الريعية، لأنها جماعات أثبتت فشلها، وجماعات اليسار بتلاوينها انقرضت بلا عودة، ويبقى الخيار الاستراتيجي هو ترك الفرصة للمجتمعات الخليجية لتصنع نخبها الجديدة بعد أن جربت مجموعات من النخب سرعان ما انصدمت فيها أو اكتوت بنيران فئويتها وأجندتها.
ببساطة فإن المجتمعات الخليجية صارت على درجة من الوعي ولديها القدرة على التفرقة بين جماعات ذات أجندات فئوية أو أجندات وطنية، بل يمكن القول إن هناك اتجاهاً آخذاً بالاتساع لا يرى في التنظيم السياسي بمفهومه النظري نموذجاً قادراً على تحقيق تطلعات المجتمع، ولذلك نرى تراجع أعداد النواب المنتمين سياسياً إلى جمعيات في البرلمان.
الخلاصة تتمثل في عدم جدوى النخب الخليجية في مرحلة ما بعد الدولة الريعية بشكلها الجامد، وتجديد النخب لن يكون سهلاً بل هو عملية معقدة ومكلفة، أما التغيير فهو الأسلوب الأنسب، وسيكون مرتبطاً بعملية تغيير طبيعية في اتجاهات الرأي العام الخليجي خلال مرحلة الانتقال الراهنة.