ما كشفته الجهات الأمنية لدينا مؤخراً عن ضبط تنظيم إرهابي يحوي 47 من أخطر العناصر الإرهابية التي على صلة وثيقة بجهات إيرانية وعناصر إرهابية مقيمة في إيران، وأن عدداً منهم تلقوا تدريبات بمعسكرات إيرانية على استخدام الأسلحة وتصنيع المتفجرات وكانوا يخططون لتنفيذ أعمال إرهابية في الفترة القادمة، من المؤشرات التي تعكس إلى أين يسير مستقبل العلاقات البحرينية الإيرانية.
لم يفصل بين ما كشف مؤخراً وبين عملية ضبط 1.5 طن من المتفجرات في أحد المخابئ تحت الأرض داخل أحد المنازل، ومخبأ آخر بالقرب منه يستخدم كورشة لتصنيع القنابل في قرية النويدرات قبل أكثر من شهر ونصف تقريباً.
التمويلات الإيرانية والمعسكرات التدريبية والاكتشافات لمعامل وورش تحضير المواد المتفجرة ستظل مستمرة والخلايا الإرهابية المدربة التي تعيش بيننا كخلايا نائمة ستظل تتكاثر وستنتقل من جيل الثمانينات والتسعينات كما نرى حالياً وفق الفئات العمرية للخلايا المدربة إلى جيل الألفية، طالما خطوط الطيران مفتوحة بيننا وبين إيران والعراق.
كم مجرماً فاراً من العدالة يقيم إما في العراق أو إيران أو سوريا ويتنقل بينهما ليقابل شباباً بحرينيين مغرراً بهم ويدربهم ويدير تحركاتهم داخل البحرين؟ كم إرهابياً يتنقل بين سوريا والعراق وإيران ويتلقى التمويلات والخطط الإرهابية ثم يعود بها للبحرين؟ الفكر الإرهابي لم ينمُ بيننا مصادفة إنما استورد من الخارج إلينا على يد شبابنا الذين وجدوا «السكة سالكة» في الانتقال بين إيران والدول التي تحلتها ميليشياتها.
خطوة سحب السفير البحريني من طهران وطرد السفير الإيراني من البحرين خطوة موفقة، وإن جاءت متأخرة، وتعد أحد المطالب الشعبية التي «بح صوت شعب البحرين ومعه شعب الخليج وهم يطالبون بها منذ أيام الأزمة»، لكنها ستبقى ناقصة وغير مكتملة طالما خطوط الطيران مفتوحة وسفر الشباب بعد التغرير بهم إلى هذه الدول للتدرب في المعسكرات الإيرانية والعراقية، وطالما لم يقترن ذلك بإصدار تشريع عاجل من قبل المجلس الوطني أو مقترح بقانون من قبل وزارة الخارجية أو السلطة التنفيذية لدينا بمنع السفر إلى إيران والعراق، أو أقله تحديد الفئة العمرية كمنع السفر عن كل من يقل عن 45 أو 50 عاماً.
لابد من إيجاد قانون لمنع ابتعاث الشباب إلى معسكرات إيران والعراق، هذه ضرورة أمنية ملحة ولم تعد مسألة التروي فيها ممكنة لأن التروي وترك المسألة للدراسة والوقت يعني ازدياد حجم الخلايا الإرهابية وازدياد شرائح الشباب المغرر بهم واتساع الدوائر الإرهابية ومن ثم ازدياد أعداد الأوكار ومعامل صنع المتفجرات بيننا.
الحوثي عندما انقلب على شرعية اليمن لم يمتلك قوته العسكرية مصادفة، إنما جاء ذلك نتيجة التمويلات الإيرانية وإمدادات الأسلحة التي كانت تتم بالتهريب عبر أكثر من 24 سنة، إلى جانب إرسال معدات تصنيع الأسلحة عبر السفن الإيرانية لليمن، لذا لا غرابة عندما وجدنا الحوثي يمتلك قدرات عسكرية عالية المستوى بل وجدناه متدرباً على استخدام الأسلحة ويقوم على إدارة مصانع للألغام والمتفجرات بنفسه، ولذا لا غرابه أيضاً باتخاذ الرئاسة اليمنية قراراً بطرد السفير الإيراني لدى صنعاء وإغلاق البعثة الدبلوماسية بطهران خلال شهر أكتوبر الماضي احتجاجاً على استمرار التدخلات الإيرانية في الشؤون اليمنية بجملة من الأعمال والممارسات العدائية.
عندما نتجه لدراسة المسألة على المستوى العالمي نجد كندا، التي تعد إحدى أبرز الدول الديمقراطية، قد قامت عام 2012 بإغلاق سفارة إيران بعد أن أعلنت أنها دولة راعية للإرهاب تعمل على توفير الدعم المادي للجماعات الإرهابية وقامت بطرد الإيرانيين والدبلوماسيين الذين يعيشون في كندا، وأعلنت أنها لن تقبل أي طلبات لمنح تأشيرات السفر إلى كندا من المواطنين الإيرانيين نهائياً، وعلق وزير الشؤون الخارجية الكندي أن إيران تشكل التهديد الأخطر على السلام والأمن العالمي في العالم اليوم.
وعندما نأتي إلى بريطانيا نجدها أنها في عام 2011 قد قامت بإغلاق السفارة الإيرانية في لندن إثر الهجوم على مجمع سفاراتها في إيران، حيث قامت بإجلاء طاقمها الدبلوماسي في إيران ولوحت باتخاذ تدابير قاسية ضد طهران، وكان تعليق وزير خارجية لندن حول ما حدث بأن إيران التي أعدمت أكثر من خمسمائة شخص خلال عام 2011 وقمعت الاحتجاجات أمام فكرة عدم قدرة السلطات الإيرانية على حماية سفارتنا، وأن هذا الاعتداء لم يحدث بمباركة النظام هي فكرة خيالية!، كما قامت بعد ذلك بإعلان ضرورة مغادرة كل دبلوماسي إيران وموظفيها خلال 48 ساعة، ومن بعد هذا الإجراء قامت عدة دول كباريس وبرلين وأمستردام باستدعاء سفرائها في طهران للتشاور، فيما أغلقت «أوسلو» النرويج سفارتها في إيران مؤقتاً كما أغلقت المدارس الفرنسية والإنجليزية والألمانية في طهران حتى إشعار آخر كإجراء وقائي، فالرسالة السياسية الصارمة منهم كانت واضحة «لا تهاون أبداً مع إيران عندما تحاول أن تلعب بذيلها الإرهابي معهم!».
ورغم أننا كنا كشعب خليجي ننتظر من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن يعرب عن قلقه بعد ما تم كشفه من مستودعات للأسلحة في البحرين والكويت، فقد وجدناه حينها يندد باقتحام السفارة البريطانية في طهران عام 2011، كما أعربت وزيرة خارجية أمريكا عن إدانتها الشديدة مطالبة السلطات الإيرانية حماية الدبلوماسيين الأجانب المعتمدين لديها.
إن تقدم مملكة البحرين بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ضد التدخل الإيراني في شؤونها الداخلية خلال أكتوبر الماضي خطوة أيضاً داعمة في مجال تقليم مد التدخلات الإيرانية في البحرين، لكن الخطوة الأهم ستكون عندما يقطع الحبل السري بين الخلايا الإرهابية في إيران والعراق وبين شبابنا البحريني الذين يتم تصديرهم إلى معسكراتها بحظر السفر إلى هذه الدول.
إحساس عابر..
- كل دول العالم لم تتهاون قيد أنمله في اتخاذ الإجراءات الصارمة لتذكير إيران بأهمية احترامها للمواثيق الدولية وسيادة الدول والابتعاد عن تمويل الإرهاب، ولا يمكن أن تبقى البحرين كدولة ديمقراطية متأخرة عن مواكبة هذا الركاب العالمي.
- ألم يقل وزير خارجية البحرين لإحدى القنوات التلفزيونية إن حجم ما تم اكتشافه من مؤامرات إيرانية حيال البحرين خطير جداً؟ وألم يقل في حديث صحافي إن المتفجرات التي أرسلتها طهران تكفي لإزالة المنامة؟ لابد من إرسال مواقف شديدة اللهجة لطهران تكفي لإزالة أوهامها!