بحثت في التصنيف الجنائي لفعل «الانتقاء الإعلامي» في التعاطي مع الجرائم الإرهابية، هل يعد جريمة ينص عليها القانون كجرائم التضليل والتحريض التي نص عليها القانون الجنائي؟
هل تؤثر «الانتقائية» في اختيار طبيعة التعاطي الإعلامي إما تفاعلاً أو تجاهلاً على التحريض على ارتكاب الفعل الإرهابي أو لا أثر لها؟
لو كان الصمت عن الإرهاب سياسة إعلامية واحدة مع جميع أنواع الجرائم، لو كانت «الجرائم الإرهابية» لا تعني لهذا الخطاب شيئاً أينما وقعت وعلى من وقعت وكيف وقعت، لكان ذلك عدلاً وإنصافاً، ولاعتبر هذا الخطاب محايداً يختار عزل نفسه عن كل ما يجري حوله متعمداً -كرسالة إعلامية بحد ذاتها- تبلغ رفضها ونبذها الإرهاب بكافة أشكاله، لكن حين لا ينشط ولا يزدهر ولا «يلعلع» الخطاب الإعلامي مندداً وشاجباً وباحثاً عن الأسباب ومحللاً إلا عندما يكون مرتكب الجرم الإرهابي داعشياً وضحاياه شيعة أو أجانب، ثم يصاب ذات الخطاب بالصمم وينام نومة أهل الكهف حين يكون مرتكب الجرم الإرهابي حالشياً والضحايا سنة؟
ويتأثر ويذوب رقة على تفجيرات يقع ضحاياها على بعد ملايين الأميال، ولا تهزه أطنان المتفجرات ولا تهزه جثث الضحايا وهي على مقربة من بيته، فإن خطاباً كهذا يعد مساعداً في الفعل الإجرامي الإرهابي بل وتتطابق مسؤوليته الجنائية مع مسؤولية رجل أمن أنيط به حفظ الأمن وتقديم المجرمين للعدالة فخان تلك الأمانة وعمل على تضليل العدالة حين أخفى معالم الجريمة ومسح بصمات الإرهابي وأشاح بوجهه عنها ووجه التحقيق في الاتجاه المعاكس وهو الشخص المكلف بحفظ الأمن.
قائد الرأي العام هو من يوجهه ويقوده للوجهة التي تعينه على الوصول للحقيقة، وحين يتجاهل هذا القائد الجرائم التي تجري بقرب بيته ويغمض عينه مع سبق الإصرار والترصد وهو المراقب والحافظ للحق حين تكون الضحية سنية تحديداً، ولا يفتح عينه ولا تبرز إنسانيته إلا حين تكون الضحية أجنبية أو شيعية فإنه يسارع في الحديث عن التسامح والتعايش والمسكنة فإن الفعل تضليل للعدالة وانحراف أخلاقي يهوي بصاحبه للدرك الأسفل من النفاق.
من جهة أخرى فإن هذا الخطاب القميء والمميز للضحايا حسب المذهب والانتماء خطاب يزرع الفتنة والتفرقة العنصرية، لأنه يرسل رسالة واضحة حين لا يهمه ولا يؤثر فيه موت بشر ماداموا من مذهب آخر، فإنه يبرر للقتلة من أبناء مذهبه أن أفعالهم مقبولة ولها الشرعية الدينية والإنسانية والحقوقية.
حين لا تؤثر فيه صور الأطفال والنساء القتلى والمدفونين تحت ركام الكونكريت يكسوهم التراب، ولا تهزه جثثهم المحروقة والمقطعة وعددها بمئات الآلاف ولا يتحرك لسانه ولا يحمل الشموع ولا ينزف قلمه حبراً على ملايين المهجرين الهاربين من الإرهاب ومنهم الأطفال الغرقى في المحيطات فقط لأنهم من مذهب آخر، لكنه يشحذ القلم ويحمل الشموع فقط حين تكون الضحية شيعية أو أجنبية له مصلحة في التعاطي معها، فإن فعله يعد عاملاً مساعداً ومحفزاً على ارتكاب فعل إرهابي طائفي بامتياز.
قد يكون النص القانوني في المادة 245 غافلاً عن جريمة «الصمت» و«الانتقائية» في التعاطي الإعلامي مع الجرائم الإرهابية وقصر المسؤولية الجنائية على «نشر معلومات كاذبة أو مضللة مع العلم بعدم صحتها عن جريمة إرهابية سواء من حيث الجناة أو الوسائل؛ وكان من شأنها إفلات الجناة أو التأثير على الأدلة فعاقبها بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة التي لا تجاوز مائة دينار لأن نشرها سيؤثر على من يناط بهم الفصل في أية دعوى مطروحة أمام القضاء أو جهة التحقيق أو المكلفين بأعمال الخبرة أو التأثير في الشهود، أو سيمنع شخص من الإفضاء بمعلوماته، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف الدعوى أو التحقيق» قد يكون القانون نص على تجريم تلك الأفعال لأنها تؤثر على سير التحقيق، لكن المنصف يعرف أن الخطاب الانتقائي والذي يختار الصمت والتجاهل عن جرائم إرهابية بعينها دون غيرها فهو يؤثر على سير التحريض ومن يقوم به فهو يتقلد وظيفة «مساعد إرهابي» بجدارة.