نصف سكان دول مجلس التعاون الخليجي أجانب، وأربع دول عدد سكانها من الأجانب أكثر من عدد مواطنيها، وهي الإمارات، والكويت، وقطر والبحرين. وبشكل عام فإن حجم القوى العاملة الوافدة الأجنبية أكثر من نظيرتها الوطنية.
في كل يوم نحو 219 مليون دولار يتم تحويلها من دول مجلس التعاون الخليجي للدول الآسيوية المصدرة للعمالة الوافدة، وهو ما يصل إلى 80 مليار دولار سنوياً بدون رسوم أو ضرائب تعود لخزائن الدول الخليجية. في البحرين فقط؛ يومياً يتم تحويل أكثر من 4 ملايين دولار إلى بلدان العمالة الوافدة في آسيا ليصل الإجمالي إلى 1.5 مليار دولار سنوياً.
دول مجلس التعاون الخليجي لا تفرض رسوماً على التحويلات المالية للعمالة الأجنبية، بل تقدم لها دعماً مالياً ضخماً سنوياً في شكل خدمات صحية، أو دعم الكهرباء والماء، ودعم المحروقات، فضلاً عن دعم عدد من السلع الغذائية الأساسية مثل اللحوم وغيرها، وهو ما كلف مليارات الدولارات خلال العقود الماضية وحتى الآن.
الأجانب في دول مجلس التعاون قضية شائكة دائماً ما يتم الحديث عن أبعادها الاجتماعية لا أكثر، فهؤلاء قدموا خلال الدولة الريعية، واستوطنوا هذه المجتمعات، وباتوا جزءاً مهماً من مكوناتها، ولهم إسهاماتهم الكبيرة في مشاريع تنميتها على مدى عقود. ولكن المرحلة الانتقالية التي تمر بها دول المنظومة الخليجية حالياً للانتقال إلى مرحلة ما بعد الريع، تثير جملة من التساؤلات؛ فهل من المجدي أن تستمر الحكومات الخليجية في صرف الدعم على المقيمين الأجانب كما هو الحال بالنسبة للمواطنين؟ وهل سيؤدي رفع الدعم عن الأجانب إلى هجرات جماعية من دول الخليج إلى دول أخرى؟ وما هي الخسائر المترتبة على ذلك؟
هناك دعوات لم تأخذ حيزاً إعلامياً بارزاً خلال الفترة الماضية طالبت بالحد من تزايد عدد العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون لأسباب مختلفة، ولكنها اليوم تعود بشكل مختلف، إذ تطالب برفع الدعم عن المقيمين الأجانب، وألا تتحمل الحكومات الخليجية مسؤولية الإنفاق السخي على هؤلاء القادمين إلى مجتمعات الخليج، حتى لا يكون المواطن الخليجي ضحية إنفاق حكومته على الأجنبي.
قد تكون هناك مثل هذه الدعوات بها قدر من الزينوفوبيا، ولكنها في الوقت نفسه تعطي مؤشرات بأن حقبة الدولة الريعية انتهت، وآن أوان ما بعد الريع. بلاشك فإن الدعم الحكومي على المقيمين الأجانب مكلف للغاية، ولكنه في الوقت نفسه له اعتبارات أخرى، منها على الأقل إسهام هؤلاء في مشاريع التنمية في دول مجلس التعاون التي تتطلب عمالة وافدة من مختلف المستويات والتخصصات في ظل عدد سكان محدود، وثقافة استهلاكية رسختها الدولة الريعية لعقود طويلة. وبالتالي ليس منطقياً، ولا يمكن أن يتم ذلك بأي شكل من الأشكال، بل لابد من إيجاد صيغة مناسبة لتوفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة للأجانب بأقل دعم حكومي، حيث لا يمكن لمجتمعات الخليج أن تعتمد على سكانها خلال الفترة الراهنة أو حتى مستقبلاً لأن حجم اقتصاديتها النفطية لا يتناسب تماماً مع محدودية إمكانياتها الديمغرافية.
إجراءات إعادة توجيه الدعم الحكومي التي شرعت فيها الحكومات الخليجية ستؤثر كثيراً على شريحة واسعة من الأجانب في الخليج، ولكنها لن تؤدي إلى هجرات جماعية نهائياً، بل قد تساهم في تجويد نوع العمالة الأجنبية المقيمة في هذه المجتمعات.
إلا أن المخاطر الأساسية في مثل هذه العملية خلال المرحلة الانتقالية هي كيفية ضمان عدم ظهور نظام طبقي قد يكون يؤدي إلى ظهور ما يسمى بالبروليتاريا الرثة وهم العمال الذين يعملون على الهامش في المجتمعات ويمتهنون المهن الجانبية مثل العمالة المنزلية وغيرها وفق المفهوم الماركسي، رغم أن نواة هذه «الطبقة» موجودة حالياً، كما هو الحال بالنسبة لما يسمى بـ»عمالة الفري فيزا» خليجياً.