إن الحديث عن الأمن الاجتماعي وارتباطه بالأمن الداخلي في البلدان الخليجية ذو شجون، والبحث في الأدوار المنوطة بالمواطن من أجل ضمان أمن واستقرار البلدان محفوف بكثير من التطلعات، ولكن دور المواطن لا يتأتى من فراغ، إذ لا بد من التركيز على عملية الغرس الثقافي وبناء المنظومة الفكرية والأيديولوجية للمواطن. ولعل واحداً من أهم الأسئلة الشائكة في هذا الشأن يدور حول ما هيأته الحكومات من أرضية للوعي السياسي والاكتفاء الاقتصادي للمواطن.
نعيش في مجتمع يتعرض لأخطار التقسيم من الداخل والخارج، بدءاً من الشرق الأوسط ودول الخليج العربية وانتهاءً بكل دولة على حدة، البلد وحده لم يعد هدفاً مباشراً، بل أصبح المواطن هو من يشكل نقطة الاستقطاب لتفتيت الدول وزعزعة أمنها، هناك عمل دؤووب خارجي وأجندات تعمل ليل نهار لاستغلال البعد الأيديوجي والمستوى الاقتصادي لبعض الفئات أو الأفراد في المجتمع، هناك تركيز خارجي يحترف اللعب على التناقضات الدينية والمذهبية والعرقية لتعميق الانقسام الاجتماعي وزعزعة الأمن في الداخل.. يستهدف التناقضات والاختلافات التي تشكل في مجملها النسيج الاجتماعي بتنوعه في مجتمعاتنا الخليجية، والسؤال الحقيقي.. هل هناك خطة واضحة للتصدي لذلك التفتيت الذي يهدد مجتمعاتنا؟! هل هنالك برامج عملية مجدية من شأنها أن تعيد اللحمة الوطنية والاستقرار الداخلي؟!
لقد ملت كثير من نخب الخليج الثقافية تلك البرامج المهترئة التي تستهدف الإعلام للإعلان عن نفسها وجهودها قبل خدمة المجتمع وضمان سلامته، سئمت كثير من فئات المجتمع من أنشطة وخطط لا تؤتي أهدافها ولو بالنزر اليسير وتستهلك من ميزانيات الدول الكثير.
إن الوعي السياسي للشعوب، قد لا يكون مهماً في مجتمعات تواجه صراعاتها مع الخارج، لكن متى ما يبدأ الصراع داخلياً.. وإن كان موجهاً، تكون الحاجة أكثر إلحاحاً لمزيد من الوعي ومزيد من الانشغال بفكر المواطنين وأيديولوجياتهم.. على صانع القرار أن يدرك أن المواطن هو المستهدف، وأنه لا بد من تحصين البيت الخليجي من الداخل، على صانع القرار أن يدرك أن كثير من الدول المعادية استثمرت في مواطني بلداننا، وجعلت منهم أحصنة طروادة تضمن تغلغلها في الداخل، لتحقيق غاياتها العدائية والطامعة، تطالعنا وسائل الإعلام وبيانات وزارات الداخلية الخليجية في فترات متقاربة مؤخراً، بأخبار إلقاء القبض على خلايا إرهابية، ونلاحظ أن أغلب المتورطين في هذه النشاطات من المواطنين.. إذاً هناك خلل يجب الوقوف عليه جدياً، والبحث في أسباب ضعف الولاء للوطن.!!
برأيي المتواضع، الشعب الخليجي في حاجة لمزيد من الاكتفاء الاقتصادي، خصوصاً في ظل التهديدات القادمة، وهو ما يدعو دول الخليج إلى ضرورة البحث عن مخارج حقيقية لأزمته الاقتصادية. الشعب الخليجي في حاجة للوعي، في حاجة إلى أن يمنح فرصة للتطور في بلده حتى لا يبحث عن تلك الفرص في الخارج لتتجرع المنطقة مزيداً من هجرات الأدمغة، الشعب الخليجي في حاجة لاحتواء شامل من الداخل حتى لا يركض خلف الوهم الذي يغلفه الخارج بشرائط وردية وملونة. البلدان الخليجية في حاجة إلى مواطنيها الأصليين، أعني أبناءها المخلصين، هذه الفئة تحتاج إلى مزيد من الدعم.. حتى لا تغادر البلاد وتترك الأوطان للمغرر بهم والخونة.
الخليج يحتاج أن يتبوأ أبناؤه المخلصون مراكزه القيادية والحساسة الأكفاء، والكف عن استقدام خبراء وهميين من الخارج، ما زلنا نعاني من عقدة الخواجة، لكن هل فكرنا فعلياً أن نصنع نماذج وطنية فاعلة شبيهة بتلك الخواجات المستقدمة بل أفضل منها؟ فرص التعليم الجامعي والدراسات العليا تحديداً متاحة في أغلب دول الخليج العربي، خصوصاً في الكويت والسعودية وقطر، وفرصة أن يصنع صف ثانٍ من خلال التأسسيس العلمي والبعثات الدراسية متوفرة، إلاَّ في البحرين.. المواطن يجاهد ويحارب من أجل أن يحصل على فرصة للدراسة العليا.. وغالباً ما تكون على حسابه الخاص وبإمكانيات محدودة، ويواجه صعوبات وتحديات في العمل كمعوق لاستكمال دراسته. البحرين تحديداً -وللأسف الشديد- لا تقدم الدعم الكافي لمواطنيها في هذا المجال، ثم تبحث عن الأكفأ والأفضل والأنسب لتمثيلها في المحافل الدولية، وتفتش عن كفاءات تعول عليها في الذود عنها، ثم تتململ من ضعف بعض كوادرها خصوصاً بالمقارنة مع الكوادر الخليجية.!!
نعلم أن حجم الميزانيات التي تنفقها الدولة في القطاع العسكري هائلة، وذلك لضمان أمن واستقرار البلاد، وهذا ما لا يحق لأي من المواطنين الاعتراض عليه أو إبداء الرأي فيه لأن المردود متحقق للجميع على السواء، ندرك أيضاً أن جانباً كبيراً من أوجه الإنفاق في القطاع العسكري تتجه نحو التدريب، وهو أمر جيد، لكن.. هل وضعت الدول الخليجية -ومنها البحرين- في الاعتبار أن المتعلمين وحملة الشهادات العليا من المواطنين هم الكتيبة المدنية التي من شأنها الذود عن البلد في أزماته؟! وقد كانت أزمة البحرين 2011 خير شاهد.
- اختلاج النبض..
لن ينفع البلدان إلاَّ أبنائها المخلصين، المتجذرين في سلالات آبائهم وأجدادهم على أرضها، وبقدر ما تمنحهم الأوطان بقدر ما ستحقق مزيد من الرفعة والنماء والاستقرار بأيديهم. نصيحتي لدول الخليج.. لا تفرطوا في هؤلاء وكونوا أكثر يقظة لاحتوائهم.!!