من الممكن أن نحدد أو نتوقع نتائج معينة لنهاية الدولة الريعية الخليجية، وكيف يمكن أن تكون عليه مجتمعات الخليج خلال العقود المقبلة في حالة بدون ريع. وفي الوقت نفسه قد تكون هناك نتائج لا نتوقعها، كما هو الحال عندما قررت مجتمعات الخليج الانتقال من مرحلة الغوص والاقتصاد التقليدي إلى مرحلة الاقتصاد الحديث والدولة الريعية.
بالإضافة إلى ذلك فإن هناك جملة من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية تؤثر كثيراً في مرحلة الانتقال إلى مرحلة ما بعد الدولة الريعية مع وجود اهتمامات بزعزعة أمن واستقرار دول المنظومة الخليجية التي مازالت الأكثر استقراراً في الشرق الأوسط.
تبدأ نتائج مرحلة التحول بعلاقة المواطن مع الدولة، وهي علاقة حساسة لأن استقرار الدولة وديمومتها وشرعيتها تقوم على هذه العلاقة. ومسألة أخرى مرتبطة بها وهي كيف ستكون شرعية الدولة الخليجية التي اعتمدت كثيراً طوال 4 عقود ـ على الأقل ـ على نموذج الدولة الريعية؟
في العام 2001 شهدت الدول الخليجية انفتاحاً سياسياً وبعضها شهد تحولاً ديمقراطياً، فماذا سيكون شكل الحكومات في مرحلة ما بعد الريع؟ وهل ستكون هناك فرص مستقبلية لمزيد من الإصلاحات السياسية الداخلية؟
ساهم نموذج الدولة الريعية في إيجاد طبقة وسطى في المجتمعات الخليجية رغم ما تواجهه هذه الطبقة من تحديات اقتصادية واجتماعية. فهل ستؤدي مرحلة ما بعد الريع إلى إيجاد طبقات جديدة أو توسيع طبقات أم تآكل الطبقات الحالية؟
ثمة اعتقاد سائد، وهو أن قوة دول الخليج يتمثل في حجم الدعم الاقتصادي والاجتماعي الذي تقدمه الدولة للمواطنين بمختلف الآليات، وبالتالي نهاية الدولة الريعية تعني انتهاء قوة الدولة الخليجية وتحولها إلى دول ضعيفة. هذه الفرضية تستحق الاختبار في دراسة نتائج التحول إلى ما بعد الدولة الريعية.
كثيراً ما تعوّل الحكومات الخليجية على القطاع الخاص ليساهم بشكل أكبر في رفع العبء عنها، ويعمل على تنويع مصادر الدخل بدلاً من اعتماد الحكومات على الموارد النفطية فقط. فهل القطاع الخاص الخليجي قادر على قيادة مرحلة التحول المقبلة؟ وهل سيستفيد فعلاً؟ أم ستزداد تحدياته؟
جزء من مشكلة الدعم الحكومي في دول الخليج أنه دعم عام، أي يشمل المواطنين والمقيمين سواءً كانوا عرباً أم أجانب، ولذلك صار التوجه هو إعادة توجيه الدعم للمواطنين بمختلف فئاتهم، ورفع الدعم تدريجياً عن المقيمين. فهل سيؤدي ذلك إلى هروب جماعي لملايين الأجانب من المجتمعات الخليجية؟ وما تأثير ذلك على مشاريع التنمية في هذه المجتمعات؟
المنظمات الاقتصادية الدولية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي دقت ناقوس الخطر أكثر من مرة لتحذير الدول الخليجية من مخاطر الاعتماد على نموذج الدولة الريعية، والتداعيات المستقبلية على الاقتصادات الخليجية. فهل سيؤدي التحول إلى مزيد من التدخلات الاقتصادية الخارجية كما تم في كثير من بلدان العالم؟
النخب الخليجية الحاكمة تتميز بالجمود خلال الفترة من السبعينات وحتى بداية الألفية الجديدة، حيث شجعت متطلبات المرحلة الجديدة تغيير النخب، وجددت بعضها، وإن بقيت أجزاء منها لاعتبارات عدة. فهل سيؤدي الانتقال إلى مرحلة ما بعد الدولة الريعية إلى تغيّر النخب أم تجديدها أو استمرارها؟
لعب الدين دوراً أساسياً في بناء علاقة المواطن الخليجي بالدولة خلال العقود الماضية، فهل يمكن أن يلعب الدين الدور نفسه خلال المرحلة المقبلة؟
خشية وترقب تمر بها دوائر صنع القرار الخليجية من تأثير نهاية الدولة الريعية على أمن واستقرار الدول الخليجية، خاصة مع وجود بيئة حاضنة للجماعات الثيوقراطية الراديكالية التي تحاول نشر الإرهاب في هذه الدول.
ما سبق مجرد مقدمات لما يمكن أن نبحثه من تداعيات لنهاية الدولة الريعية الخليجية قد تساهم في فهم أعمق وأشمل لطبيعة المرحلة المقبلة بدلاً من تجاهلها أو الخوف من الحديث عنها.