في البداية نشد على أيادي قصابي المحرق، ونقول لهم بارك الله في هذه الأيادي، وحفظ هذه النفوس الطيبة التي عكست أصالة شعب البحرين الطيب والصفات الحميدة، الذي ضرب مثالاً للشجاعة والتحدي المحمود والمرغوب من أجل مصلحة الجميع، إنهم قصابو المحرق الذين عبروا بكل رقي وتحضر عن رفضهم للتعامل مع شركة البحرين للمواشي بعد رفع الدعم عن اللحوم، وعبروا عن ذلك ليس بمسيرة ولا تظاهرات يحملون فيها رغيفاً أو عظماً، بل رفضوا بالصمت والامتناع، رغم اعتمادهم في رزقهم على بيع هذه اللحوم.
اليوم أثبت أن رقي الإنسان لا يحتاج أن يكون طبيباً أو مهندساً، ولا يحتاج شهادة جامعية في العلوم السياسية أو الاقتصادية، بل هو رقي نفسي فطري ينبع من داخل النفس العزيزة الكريمة التي لا تساوم على ولائها لوطنها حتى لو قطعت أرزاقها، فهذه هي المواطنة الصالحة، وليست المواطنة الخبيث الجشعة التي تربط ولاءها بقدر ما تحصل عليه من فوائد ومنافع من الدولة، المواطنة التي تساوم ولاءها مع الوطن بالمناصب ونصيب من السلطة، ثم تدعي الرقي والتحضر، وهي في الواقع نفس دنيئة تربت على الخبث والحقد، حتى امتدت يدها لتمزق لحوم الأبرياء، فتقتل وتفجر ثم تطالب المجتمع الدولي بإنقاذها لأنها مضطهدة.
قصابو المحرق في امتناعهم ورفضهم للتعامل مع شركة البحرين للمواشي لم يحتاجوا لنقابة عمالية، ولا تقارير لمنظمات دولية، ولا إعلام أجنبي يتبنى قضيتهم، بل بكل عقل وحكمة عبروا عن قضيتهم، عبروا عن رأيهم وتبنوا قضيتهم بطريقة أفضل وبأسلوب أرقى من حتى من بعض النواب الذين استغلوا القضية بأسلوب لا يرقى لمستوى نائب يمثل الشعب، والمفروض منهم أن يكونوا قدوة في طرح القضايا بالعقل والمنطق وليس بطول اللسان والتطاول على الحكومة، إلى حد وصفها بالفشل والتخبط، فقط لأنها قررت رفع الدعم عن اللحوم، وكذلك بالنسبة لتبنيهم بعض المواضيع التي أغلبها يخدم مصلحتهم عندما يتجاوب معهم بعض المسؤولين تجنباً للاستجواب، فهذه حقيقة الفرق بين قصابي المحرق وبين نواب على درجة علمية عالية يمثلون الشعب، ولكن الفرق شاسع بين من يدافع عن مصالح عامة بأسلوب راق ونية صافية جعلت مصلحة الوطن هي العليا، وبين من يدافع عن مصالح شخصية تنبع من حبه لذاته وتلميع شخصيته وآخر يسعى لتحقيق مصالح فئوية.
هناك فرق بين قصابي المحرق وبين نقابات عمالية تفرد عضلاتها بمسيرات وتسجيلات، وأخرى تتخابر مع منظمات خارجية همها الدفاع عن مصالح الانقلابيين، وبين مجموعات تقود مليشيات إرهابية تدعي الوطنية والسلمية ولكنها تنفذ تفجيرات دموية وتخطط لأعمال إرهابية تحرق فيها اليابس والأخضر ثم تدعي السلمية وتنادي بالديمقراطية.
قصابو المحرق مدرسة سياسية يجب أن يتعلم فيها المهندسون والأطباء والمعلمون والمحامون ونقابات العمال ليستقوا منهم معنى حرية الرأي والدفاع عن الحقوق، ويأخذوا دروساً كيف يكون حب الوطن، وكيف يكون الولاء الذي لا يضره التعبير عن الرأي عندما يكون هذا التعبير فيه مصلحة للجميع.
قصابو المحرق لم يطالبوا بتأمين اجتماعي ولا بدعم مادي، فقط يلفتون النظر إلى أن هناك خطأ ما قد يكون في شركة المواشي، التي يجب أن يعاد فيها النظر، أو طرح بدائل لتوفير اللحوم الصحية التي لا تسبب أمراضاً، كما سببته لحوم الشركة، هناك بدائل لو اجتمع النواب بالقصابين وتجار المواشي المحليين لوجدوا حلاً مرضياً للجميع، ولكن مع الأسف لم يلتفت إلى قضية قصابي المحرق لا نواب ولا مجالس بلدية ولا محافظ.
تحية وتقدير لقصابي المحرق ونأمل من النواب والنقابات العمالية أن يحجزوا دروساً خصوصية لديهم لتعلم الأسلوب الحضاري والرقي الإنساني في التعاطي في القضايا الوطنية، كما نأمل من الدولة دعم القصابين وتقديرهم واستدعاءهم والجلوس معهم للاستماع إلى وجهة نظرهم وآرائهم، فترى والله أن لديهم من بعد النظر ورجاحة العقل ما لا يملكه الخبراء الاقتصاديون والمستشارون الذين وقفوا يتفرجون على قضية المشاكل التي نتجت عن رفع الدعم عن اللحوم.