انتعاش الاقتصاد البحريني لا يتحمل مزيداً من التجارب ولا استمرار التجارب التي لم تثبت فعاليتها في دفع الاقتصاد وتشجيع الشركات التي خرج بعضها من البحرين على العودة مرة ثانية، وذلك لا يتم إلا ذا كان هناك تغيير جذري في السياسة الاقتصادية للدولة، وخاصة بعد إنشاء الهيئات والصناديق من أجل تحفيز الاقتصاد الذي بدأت آثاره السلبية تبدو واضحة من حيث انتشار النشاط الاقتصادي المتكرر والمتشابه في نفس المناطق، إذ إن أساس ممارسة هذا النوع من التجارة هو بسبب الدعم الذي بلغ عشرات الآلاف بل مئات الآلاف، والذي قدمته «تمكين» بكل سهوله للمواطنين، دون أن يكون لهم تاريخ اقتصادي البتة، بل كلها مشاريع تجارية فردية تعود على صاحبها بالفائدة، دون أن يكون هناك مردود على الاقتصاد الوطني، الذي يجب أن يعتمد على جذب الاستثمارات الأجنبية والشركات الوطنية الكبرى، وليس محلات المعجنات والعبايات. وها نحن نشاهد خلو المحلات من الزبائن، وذلك لكثرة وتكرار وتعدد البضائع في كل مكان. دفع الاقتصاد إلى الإمام وانتعاشه يحتاج إلى مصارحة وإلى قرار إصلاحي جريء، إنما العودة إلى الدعم الذي قدمه «صندوق العمل» هو حل لا يمكن أن يتحرك فيه الاقتصاد. وقد كانت تجربة 9 سنوات -تقريباً- أكثر من كافية لاكتشاف أن هذه السياسة غير مجدية في تحريك الاقتصاد الذي تعتمد عليه الدولة في رفع مؤشرها الاقتصادي عالمياً، ومما زاد الأمر سوءاً أن عملية الدعم الذي يقدمه هذا الصندوق جاء مقابلها تضييق على كبار المستثمرين المحليين والأجانب في السوق الذين يعتمدون على عمالة أجنبية لإنجاز مشاريعهم، لأن الأعمال الإنشائية وغيرها لا يمكن الحصول على أيد وطنية كافية لها. ومن أسباب معوقات المستثمرين الذين أشاحوا بوجوههم عن البحرين كأفضل بلد خليجي لانطلاق شركاتهم، هي الضرائب، ومنها ضريبة العشرة دنانير على العامل الأجنبي، وكذلك ارتفاع الرسوم وخاصة الكهرباء التي تعد عبئاً إضافياً على المستثمرين. وكمثال ها هي الصين التي نشاهدها تحتل مراكز متقدمة في المؤشر الاقتصادي، وذلك بسبب أنها تنظر إلى الاقتصاد بنظرة جدية غير قابلة للتجارب، والتي أغرقت العالم بمنتجاتها، نجدها مازالت تبحث عن استراتيجية جديدة لجذب المستثمرين خصوصاً لمشاريع البنى التحتية في الدولة، وهذا من خلال الإعفاءات الضريبية، وذلك كما ورد في إعلان اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، وضمن مؤتمر عقد لترويج الشراكة بين القطاع الخاص والعام، كما نجحت الحكومة الصينية منذ مطلع 2015 بجذب 551.6 مليار دولار كاستثمارات أجنبية لمشروعات مشتركة بين القطاع العام والخاص، ومن ضمنها السكك الحديدية والمتاحف، وذلك كما جاء في تقرير نشر في أكتوبر 2015 تحت عنوان «الصين قد تتبع استراتيجية الإعفاءات الضريبية من أجل جذب الاستثمارات». إن إنعاش الاقتصاد يحتاج إلى اقتباس تجارب الدول المتقدمة اقتصادياً، وإن تقدم الاقتصاد لا يقوم على أفكار أو عاطفة، وخاصة إذا كانت الدولة تسعى إلى دفع اقتصادها بقوة إلى الأمام. وهنا يأتي دور جذب الاستثمار وتذليل العقبات أمامه. فالاستثمار القوي هو الذي تعم فوائده على عموم المواطنين والدولة معاً، وذلك حين توفر لهم الشركات الكبرى فرص عمل، ويلمع اسم الدولة عالمياً. أما فكرة الاستثمار بتقديم دعم خيالي يفوق التصديق لم يحدث مثلها في أي دولة، حين يتحمل صندوق العمل حتى مصاريف دراسة الجدوى والإعلانات للمحلات غير الدعم الذي كان يبلغ 80%. وها هي تقارير المفتشين تسجل آلات ومكائن، تقدر قيمتها بعشرات آلاف الدنانير، مازالت في «الكوارتين»، فهذه تجربة كانت نتائجها واضحة، وكان يجب التخلي عنها خلال سنة لا استمرارها 9 سنوات، ومازالت هناك مطالبات بإعادة الدعم السخي، والذي نظن أنهم يرغبون فيه أن يكون دون شرط وقيد ويعيد الحال كما كان، بل أسوأ مما كان، في الوقت الذي نشاهد فيه دولة مثل الصين والهند يتسارع إليهما المستثمرون لأنهما دولتان لا يوجد فيهما مجال للعواطف أو التجارب أو الأفكار الشخصية.