«كنا نعتقد أنهم سيجلبون معهم تقنية طائرات بوينغ؛ إلا أنهم جلبوا لنا مطاعم ماكدونالدز».. قائد الباسيج الإيراني محمد رضا نقدي
هناك الواقع وهناك المتوقع، وفي عالم السياسة نادراً ما يأتي الواقع مطابقاً للتوقعات، فالواقع السياسي هو مفتاح عملية التغيير، أما المتوقع فهو حلم التغيير الذي لا صلة له بالواقع، وإذا كان هناك درس يجب أن نتعلمه من الواقع فمن المؤكد أن إيران، وبعد ثلاثة عقود ونيف من حكم خميني رجعي قمعي متخلف، لا يمكن أن تعود دولة مدنية ديمقراطية متمدنة، فنظام الملالي زرع التخلف في قاع طهران والرجعية في وسطه والظلامية على سطحه، والتاريخ لن يعيد نفسه.
مطلع الأسبوع افتتحت سلسلة مطاعم الوجبات السريعة «KFC» الأمريكية أول فروعها في العاصمة الإيرانية، وفي الأيام القليلة المقبلة ستشهد طهران افتتاح أول فرع لسلسلة مطاعم «بيرغر كينغ»، وبذلك سيعرف الإيرانيون -ولأول مرة- مذاق «البيرغر»! وهذه حقيقة وليست مزحة أو تجنياً، فالإيرانيون بالفعل لا يعرفون شيئاً اسمه «البيرغر».
في عام 2008 زرت إيران لأول مرة مع وفد صحافي، وللوهلة الأولى التي وصلنا فيها العاصمة الإيرانية طهران «يا أم الكآبة بلا منازع»، شعرت بأني في حضن بلد متخلف، رغم أنف الذين يقولون عنه إنه بلد متقدم، فما أن تحط من الطائرة يستقبلك التخلف بالأحضان، وفي كل مكان تمضي إليه تزكم أنفك رائحة نتنة لا تعرف مصدرها، وكأن طهران تحولت في عهد «ولي الفقيه» إلى مرحاض كبير.
أثناء تجوالك بالسيارة قد تلمح، نظرات الشعب المغلوب والمنكوب والذي قادته عمائم التخلف إلى الحتف والهلاك، وقد يسر لك أحدهم، خلسة، كيف يعيشون أوضاعاً اجتماعية مزرية، ويعانون من ويلات القهر والحاجة والحرمان، ولسان حاله يصب جام غضبه ولعناته على الثورة الخمينية، والتي جعلت إيران مطية لـ»ولي الفقيه».
في دولة الفرس الأطباق اللاقطة والإنترنت حرام ويمنع القانون استخدام أجهزة استقبال القنوات الفضائية «رسيفير» لمنع مشاهدة المسلسلات والأفلام الأجنبية، لأنها، وحسب وجهة نظر خامنئي، تؤدي إلى انعدام الحياء والغيرة لدى المواطنين. أخبرني أحد الصحافيين الإيرانيين بهذه المعلومة وهو يضحك ويقول بحذر: «في الظاهر إيران دولة إسلامية، ولكن في الحقيقة ولي الفقيه حولها إلى ماخور بلا جدران تمارس فيه كل ألوان الرذيلة».
الزيارة المقررة مدتها ستة أيام، كانت بالنسبة لي «ولبعض الصحافيين» بمثابة تجربة من سابع المستحيل تكرارها، طوال الزيارة لم تعرف أفواهنا سوى طعم «الجلو كباب» في الغداء أو العشاء، حتى انعدمت لدينا حاسة التذوق، فلا يوجد في قاموس المطاعم الإيرانية معنى لكلمة «البيرغر»، ذات يوم تجرأت فسألت «جرسوناً» في أحد المطعم عن هذا الاختراع الأمريكي، فرشقني بنظرات عابرة وتحدث بنبرة حادة وبكلمات غير مفهومة وكأني تلفظت في حق «الست الوالدة» بألفاظ نابية، لكن سرعان ما تدخل المرافقون وفضوا الإشكال.
كانت زيارتنا مقررة لطهران ومدينة أصفهان والتي وصلناها مع خيوط الفجر الأولى، وقد حط الباص أمام فندق «علي جابو» بعد أن تملك صقيع البرد من أجسادنا كما تملك الجوع من معدتنا الخاوية، بمجرد أن انتهينا من حجوزات الغرف، سألت موظف الاستقبال كعادة الصحافي المتطفل عما إذا كان قد وصل إلى «نصف جنان» اختراع اسمه «البيرغر»، كنت ألقي بالسؤال فيما أجهز قدمي للفرار خشية أن تتكرر إشكالية مطعم طهران، لكن فوجئت بالرجل يبتسم وهو يقول: موجود!! فسألته وأنا غير مصدق: بذمتك موجود، طيب احلف أنه موجود؟!
ضحك وسألني ماذا تحب أن تتناول معه، فالتفت إلى الزملاء من الصحافيين وأنا أصرخ: هل تحبون أن تتناولوا سندويشات «البيرغر»؟ فأجابني الجميع بصوت واحد غير مصدقين ما أقول: «أي.. أي»، فطلبت لكل واحد منهم ثلاث سندويشات، وكان عددنا ستة أشخاص، واتفقنا أن نلتقي في غرفتي بعد ساعة لنحيي حفلة «البيرغر».
بعد أقل من ساعة دق عامل الطعام باب الغرفة وكنت أنتظر طرق الباب على أحر من الجمر، فتحت وإذا بالأخ الجرسون ومعه آخر يدفعان بعربتي طعام وقد امتلأتا عن بكرة أبيهما بأطباق مغطاة، فأشرت عليهما بوضعهما في قلب الغرفة، لم أحاول أن أكشف الغطاء حتى لا أفسد المفاجأة، حاولت أن أضع شمعة على قلب كل طبق وأطفئ الأنوار حتى أفاجئ الزملاء، وصل المدعوون «ويا ليتهم ما وصلوا» وفي لحظة واحدة متفق عليها رفعنا الغطاء «فكشفنا عنه غطاءه فبصرك اليوم حديد»!!
لحظة صمت لفت الغرفة.. يبدو أن الصدمة كانت قوية وفوق احتمال البشر، الكل يناظرني وكأنني الطاهي ويسألني: ما هذا؟ هل هذا سندويش «البيرغر» الذي وعدتنا به؟
قولوا ما شئتم إلا أن تقولوا إن هذا الاختراع ينتمي إلى فصيلة «البيرغر»، فهل يعقل أن لحماً مهروساً موضوعاً بين رغيفي خبز إيراني مساحته 30 سم، بعرض وطوال طبق طعام تقليدي يسمي «بيرغر»؟
.. وكانت ليلة من بين أسوأ الليالي التي عشتها طوال الرحلة.
اليوم يعيش «ولي الفقيه»، صاحب شعار الموت لأمريكا، أزمة تناقض وحالة ازدواجية، لا يعرف ما يريد وهو عاجز عن تحديد ما يريده، فقد بدأ يأكل «البيرغر» وغداً سيأكل لحم الكلب!!
ألم أقل لكم إنه دجال، طيب، «سلم لي» على المغفلين أتباع «ولي الفقيه».