أنا أشهد أن قصتنا مع المال العام قصة مدهشة وغريبة، ولا غرابة، فهذا موجود في كل بلد، لكننا بلد صغير ودائماً ما يقال لنا إن مواردنا محدودة، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن المال العام محدود، البلد فيها خير، واحنا عيال بلد ونعرف أن البلد فيها خير ونعمة ولسنا بحاجة لأي معونات ولا مساعدات، فقط نحتاج أن نساعد أنفسنا في أن يكون المال العام في مكانه الصحيح.
قصتنا مع المال العام تشبه مفارقة الخبرين اللذين نشرا يوم أمس، خبر يقول إن «آسيوياً سرق آيباد وحكم عليه بالسجن 3 سنوات»، وخبر آخر يقول إن «هناك من اختلس 5 ملايين وحكم عليه بـ3 سنوات والقضية بالاستئناف اليوم!».
هذا باختصار شديد يمثل جزءاً من قصتنا مع المال العام..!
(2)
مؤسف وضعنا في كل عام أن نتجرع بعض الآلام (المنقحة والمعدل والمفلترة) في تقرير ديوان الرقابة المالية، مؤسف أن نقول للناس (اربطوا حجراً على بطونكم مع رفع الدعم عن أمور كثيرة) بينما هناك أموال مهدرة وضائعة، وربما غير مدونة أصلاً بالتقرير، وتكون أرقاماً سمينة..!
الصورتان لا تستويان؛ المسألة ليست في قضية لحم (لحمنا من زمان منهوش)؛ لكن المسألة في الرقابة على أموال الميزانية التي تحتاج ضبط وربط، وأن تذهب الملايين إلى مكانها الصحيح من أجل تنمية البلد ودعم الاقتصاد الوطني، الذي هو الداعم والمحرك الحقيقي لنهضة أي بلد.
(3)
لا نعرف أين يمكن للمواطن أن يتكلم؛ فإذا كان أعضاء مجلس النواب لا يستطيعون أن ينتقدوا ويتكلموا وكلامهم يشطب، وكأنهم في فصل دراسي، وهناك من يقول لهم قولوا كذا ولا تقولوا كذا، إذا كان هذا حال من لديه حصانة وممثل للشعب؛ فأين هي الحرية؟
نقول لمن يريد أن يكون وصياً على حديث الناس؛ اتركوا البخار يطلع، هذا كلام لا يقدم ولا يؤخر، والحكومة الموقرة تعرف ماذا تفعل، لكن اتركوا الناس تتكلم، فالبديل قاسٍ حين نحكم حتى على البخار ألا يصعد ويخرج، ذلك يولد انفجاراً.. الله يعين النواب، يحتاجون دروساً خصوصية يبدو ذلك..!
(4)
الملايين الواردة في تقرير ديوان الرقابة المالية هي المشكلة، وكما أسلفت أنه تقرير (داااايت) ومفلتر، وهناك من الوزارات والهيئات من اختفت ملاحظاتهم، أو ربما نشر منها التافه البسيط، وهذا هو بيت القصيد.
وهناك وزارات وهيئات ملسط عليها كل شيء، وكل مخالفاتها منشورة.. الله المستعان..!
كأن المواطن هو المسؤول عن فقدان المال العام، كأنه هو الذي أضاعه، لذلك تتم معاقبته بإجراءات للأسف الشديد تمس قوت يومه هو وأسرته، والبرلمان مكتوف الأيدي، ووضع على فم النواب شريط لاصق، ربما حتى لا يزيدوا جرعة الكلام، (رغم أنه كلام بس) فمن أين يأتي الحل، ومن يسمع صوت الناس.
(5)
المال العام؛ لا أعرف لماذا تذكرني هذه الكلمة بمسمى آخر وهو (النقل العام)..!
النقل العام الذي كان بباصات (تاتا) وبلونين أحمر وأبيض، النقل العام الذي كنا ونحن صغار وحين يكون الجو معتدلاً نقوم بركوب النقل العام ليأخذنا في جولة (نص ربية) وبعضنا يدفع وبعضنا (يركب بعيداً عن السائق).
هذه أكبر شقاوتنا حين كنا أطفالاً، وبعضنا لا يدفع نص ربية أجرة النقل العام، والمفروض أصلاً ألا تعرفة علينا ونحن أطفال، لكن «في ذمتنا جمن ربية للدولة لمواصلات النقل العام»، نرجو السماح، أو اعتبروها مثل الأرقام الكبيرة في تقرير الرقابة المالية، ليست اختلاساً أو ضياع أموال، إنما أخطاء محاسبية، أو كما تقول هيئة الضمان الاجتماعي خطأ إكتواري..!!
ربما المسميات تتداخل وتتشابه عندي، مسميات مثل (المال العام) و(النقل العام) لا أعرف ما الرابط بينهما..!!
(6)
تقرير الرقابة المالية، حفلتنا لكل عام، لكن في كل حفلة ينتشي الحضور، ويفرح ويعد ويطرب، إلا نحن فإننا نشاهد حفلة تعزف على أحزاننا وأوتارنا وأوجاعنا، حفلة ومسرح وفرقة، لكن الحضور يضحك تارة، وحزين يمسح دموعه تارة أخرى..!