عندما نتحدث عن نهاية الدولة الريعية، فإننا نتحدث عن مرحلة انتهت من تاريخ الدول الخليجية، ونتحدث أيضاً عن بداية مرحلة جديدة بدأ مستقبلها الآن قد يتفاوت استيعاب مختلف مكونات المجتمع طبقاً للوعي السياسي، وطبقاً لطبيعة المرحلة الانتقالية الحالية وإجراءات كل دولة خليجية على حدة للانتقال من الريع إلى ما بعد الريع.
نهاية الدولة الريعية تعني تحول الدولة الخليجية من دولة تعتمد على الإنفاق إلى دولة تبحث عن الإنتاج والعوائد ولا تعتمد فقط على بيع ثرواتها الطبيعية والانشغال بالاستهلاك والاستيراد المفرطين. والفكرة هنا في عدم انتقالها من مرحلة الإنفاق إلى مرحلة الإنتاج مباشرة أن هذه الدول ستعيش في مرحلة متباينة من محاولات البحث عن كيفية الإنتاج، وتحويل اقتصاداتها إلى مرحلة الإنتاج، وبالتالي لا يمكن القول إنها ستنتقل مباشرة إلى الإنتاج، بل هي ستبحث عن كيفية الإنتاج.
الإجراءات التي أعلنتها معظم الدول الخليجية بشأن إعادة توجيه الدعم أو تحرير بعض القطاعات ورفع الدعم عنها نهائياً ما هي إلا بداية للانتقال من مرحلة الدولة الريعية إلى مرحلة ما بعد الدولة الريعية.
نهاية الدولة الريعية تعني أن المواطن الخليجي الذي اعتمد على الحكومة في تمويل ولادته، ومن ثم تعليمه بمختلف مراحله، وابتعاثه بعد ذلك لدراسته العليا، ثم توظيفه في القطاع العام، ودعم تكاليف زواجه، ودعم حياته العائلية من مسكن ومعيشة وعلاج إلى وفاته وتحمل تكاليف دفنه، ستتغير عليه أمور كثيرة، وهذا التغير لن يكون دفعة واحدة أو بين ليلة ونهارها، بل ستستغرق المسألة سنوات عدة حتى تتكيف الحكومات الخليجية على إجراءات إعادة هيكلة ريعها، ويتكيف معها المواطن على كيفية هيكلة حياته وعائلته. باختصار نهاية الدولة الريعية هي نهاية فكرة رعاية الدولة للمواطن من ولادته إلى وفاته.
إلا أن ذلك لا يعني أن رفاهية المواطن ستتراجع بشكل مفاجئ وأنه سيصل إلى مرحلة ينفق على نفسه في شتى مناحي الحياة بدون مساعدة الحكومة أو الاستفادة من خدماتها، نتحدث هنا عن قطاعات معينة من الضروري أن يطالها رفع الدعم أو إعادة توجيهه. وبالتالي التأثيرات ستكون في قطاعات معينة، كما هو الحال في النقاش الدائر حالياً في البحرين «إعادة توجيه الدعم في اللحوم والوقود والكهرباء والماء على الأقل». المحصلة أن رفاهية المواطن الخليجي في العام 2003 لن تكون هي نفسها العام المقبل 2016 على سبيل المثال.
هذا هو التحول من الدولة الريعية إلى ما بعد الدولة الريعية، والسؤال الأهم، هل الحكومات الخليجية مستعدة؟ وهل المواطن الخليجي على وعي أننا نمر بهذه المرحلة ونتائجها المحتملة؟