في العام 1932 اكتشف النفط في البحرين، ولم يكن في ذهن النخب أو العامة أو حتى مكتشفي النفط حجم التحول الهائل الذي يمكن أن يطرأ على المجتمع جراء ثروة ضخمة ظهرت بشكل مفاجئ وتم اكتشافها سريعاً في بقية دول الخليج العربية.
الأهم في تلك اللحظة التاريخية التي مر عليها 83 عاماً أنها غيرت من نماذج الدول الخليجية القديمة التي كانت تعتمد على صناعات بدائية مثل الغوص وتجارة بسيطة إلى نموذج حديث عززت من الأنظمة السياسية القائمة، وبدلت من نموذج علاقة الحاكم بالمحكوم، وانتقلت بالمجتمعات الخليجية للتحديث.
الدول الخليجية عندما اكتشف النفط فيها، تحملت الأسر الحاكمة فيها المسؤولية وتوافقت مع شعوبها بالآليات التقليدية، وبدأت بتحديث المجتمع حتى وصلنا إلى ما وصلنا عليه الآن من إنجازات ومكتسبات.
وكان القرار الاستراتيجي حينها أنه مادامت هناك ثروات نفطية ضخمة، وثروات مالية هائلة، فإنه يجب الاستفادة منها بشكل جماعي. ومع مؤسسة الدول الخليجية صارت هذه الثروة توزع من خلال مؤسسات «الوزارات المختلفة» تقدم الثروة إما مالياً أو في شكل خدمات مجانية للمواطنين أو يتم تقديمها برسوم رمزية وليست ضرائب بالمعنى العلمي الدقيق.
الثقافة السائدة في مجتمعات ما قبل النفط كانت تقوم على العمل الجماعي بحيث كان أفراد المجتمع يعملون في وظائف متعددة، سواءً كانوا أطفالاً أو رجالاً وحتى النساء منهم وهي الحقيقة المهملة التي تستحق الدراسة عندما كان المجتمع الخليجي يعتمد على المرأة خلال شهور طويلة من العام بسبب انشغال الرجال بصناعة الغوص. ولم تكن الدولة الخليجية القديمة تقدم خدمات أو سلعاً فعلية كما هو اليوم، بل كان مجتمعاً ذاتياً يعمل فيه الجميع من أجل مواجهة متطلبات الحياة.
ولكن الثقافة هذه تغيرت تماماً في مرحلة ما بعد النفط، عندما بدأت الدولة الحديثة ومؤسساتها بتقديم الخدمات والسلع للمواطنين في ظل انهيار الصناعات القديمة المتنوعة. تدريجياً انتهت الثقافة القديمة، وصارت الثقافة الجديدة أن الدولة مسؤولة عن توفير كافة الخدمات والسلع والثروة للمواطنين، وهي الثقافة التي مازالت سائدة حتى الآن.
السلبية والإيجابية هنا، أن نموذج الدولة الريعية الذي اتخذته الدول الخليجية أدى إلى تغير ثقافي تاريخي، ففي السابق كانت الدولة تعتمد على المواطنين، والآن بات المواطنون يعتمدون على الدولة في شتى مناحي الحياة. وهو ما كون شكلاً من أشكال الاتكالية وليس الاعتماد المتبادل وهو تحول سلبي بلاشك. بالمقابل فإن الإيجابية تمثلت في القدرة الهائلة على الإنجاز وتحقيق المكتسبات والإنجازات الحضارية في مختلف القطاعات، وهو ما يمكن مشاهدته بوضوح في صور المجتمعات الخليجية باللون الأبيض والأسود والصور الملونة حالياً.