لا أعرف لماذا تذكرت المثل القائل: «اللي ما ياكل بيده ما يشبع»، وأنا أتابع كل ما جرى من حوارات قيمة من خلال «حوار المنامة» وما يقال عن رأس الشر والإرهاب والطائفية والفتنة، الدولة الصفوية.
حين تركت الدول الكبرى في المنطقة إيران تلعب وتفعل ما تريد، وتخترق وتبني كانتونات طائفية، وكانتونات إرهابية، حين تركنا كل ذلك بينما المشهد كان يرى من الجميع، احتجنا إلى أن نعالج تلك الأخطاء الاستراتيجية الكبرى بأن نشن حرباً مكلفة لتصحيح الوضع في اليمن، وإلى أن تدخل قوات «درع الجزيرة» البحرين، حتى وإن كان الدخول رمزياً فقط في تلك اللحظة الفارقة.
يوجد منا من ساعد الأمريكيين على احتلال العراق، والنتيجة الآن أمامكم، العراق نسخة أخرى من إيران، والنتيجة الأسوأ علينا كدول خليجية أن ميزان القوى بالمنطقة أصيب بخلل فادح، فذهب عراق العروبة، وجاء عراق الصفوية، فتحركت كل الخلايا الإرهابية التي كانت طوال كل تلك السنوات تنمو وتتوسع وتكبر في البحرين وفي بعض دول الخليج، كل ذلك نتيجة اختلال ميزان القوى وتدمير العراق لصالح الدولة الإرهابية الصفوية.
نحن اليوم نسدد فاتورة بالغة الثمن، لأننا كنا نرى كل الذي يجري ونعرف أن هناك من يتحين الفرص للانقلاب على الدولة، سواء في البحرين أو بقية الدول، إلا أننا كنا نتفرج ولا نلقي بالاً لذلك، والحمد لله أن رب العباد وحده هو من حفظ لنا البحرين بعد أن هاجت الأرض وماجت.
يكاد يجمع أغلب المتحدثين في «حوار المنامة»، على أن الخطر على المنطقة إنما هو خطر إيراني، في اليمن، والبحرين، والعراق، وسوريا، ولبنان، إلا أنني لا أستطيع أن أصدق بعض المتحدثين الذين هم والإيرانيون شركاء وحلفاء حتى وإن أظهروا للناس أنهم على عداء مرير.
نعم إيران أخطر من الدولة الصهيونية، الصهاينة لم يستطيعوا أن يحتلوا كامل فلسطين، ويفقدون السيطرة على مناطق ومدن وقرى كثيرة، لكن الدولة الإرهابية الصفوية تحتل أربع عواصم عربية.
فمن هو الأخطر، ومن هو الذي يجب أن يحارب، ويجب أن يُقاطع، فمع عميق الأسف ومع احتلال إيران لكل تلك العواصم لم تقاطع إيران تجارياً على أقل تقدير، وبقيت دول الخليج أحد أهم منافذها على العالم لإنقاذ الاقتصاد الإيراني في أحلك أوقات الحصار.
الحديث عن الخطر الإيراني دون خطوات إيجابية يصبح حديثاً مكرراً ومستهلكاً، إنني أدعو دول الخليج العربي بما فيها البحرين والسعودية والإمارات والكويت لإقامة مشاريع للصناعة العسكرية، فإلى متى نبقى نستورد كل أسلحتنا، وكل قطعنا البحرية والبرية؟
الخطب جلل، وطبول الحرب تدق حولنا، ونحن مازلنا تحت رحمة بعض الدول التي ربما توقف تصدير أسلحتها لنا إذا ما أرادت ابتزازنا، فإلى متى نبقى من غير صناعة عسكرية قوية تجعلنا نعتمد على أنفسنا بأنفسنا، بل ونقوم بإنشاء صناعات متطورة، تسابق أي صناعات أخرى في الأسواق، فنحن نملك كل المقومات، ولدينا علماء عرب يمكننا الاعتماد عليهم في هذا الجانب، أو حتى استقطاب العلماء من الخارج.
في البحرين، أعرف أن المساحة محدودة، وأعرف أننا دولة صغيرة، غير أنه يجب أن نمتلك صناعاتنا العسكرية الخفيفة، أو تلك الصواريخ المضادة للدروع، والصواريخ التي تحمل فوق العربات، والصواريخ التي تحمل فوق القوارب، لا نريد صناعات لأسلحة عابرة للقارات، ولكن نريد صناعة تكفينا ما نحتاج إليه، وتجعلنا نملك سلاحنا الخفيف على الأقل.
من لا يرى صورة الوضع في المنطقة فعلى عينه غمامة، ومن هنا أعتقد أننا يجب أن نتكامل مع إخواننا في الإمارات وفي السعودية في مجال صناعة الأسلحة، كما أن إخواننا في مصر الحبيبة لديهم صناعة عسكرية طيبة، وكذلك الأتراك وباكستان، كل هذه الدول لديها صناعات محترمة ويجب أخذ تجربتها، والاستفادة مما لديهم من خبرات.
خبر وضع حجر الأساس للقاعدة البريطانية الدائمة بالبحرين خبر طيب، والبحرين اتخذت بقيادة جلالة الملك حفظه الله ورعاه خطوات ممتازة من بعد أحداث 2011، وأعتقد أن الأمريكيين لا يعتمد عليهم، ويبيعون حلفاءهم في طرفة عين، لكن مع كل ذلك يجب أن نأكل بأيدينا، وأن تصبح لدينا الصناعة التي نحتاجها في البحرين، كما أن هناك دولاً طورت صناعة الطائرات من دون طيار، وهي غير مكلفة، فلماذا لا نتبنى مثل هذا المشروع؟
جاءت كلمة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد حفظه الله خلال «حوار المنامة» قيمة ومستشرفة للمستقبل، وقد أشار سموه إلى موضوع الأمن كأساس للاستقرار والتنمية.
وهذا حجر الزاوية في موضوع التنمية، فالتنمية لا يمكن أن تتحقق من دون أمن، ومن دون قوة فرض الأمن، فالحق يحتاج إلى قوة من أجل أن يسود، ويبقى، فلا خير في الحق من غير قوة، وقد يغلبه الباطل إن كان الباطل قوياً.
أيضاً قال وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد خلال «حوار المنامة»، كلمة قيمة وطيبة، فالحرب التي على «داعش»، ينبغي أن تقابلها حرب على أذناب وأدوات وأذرع ومشاريع إيران في المنطقة.
ما لفت انتباهي في كلمة وزير الخارجية أنه خرج من لغة المداراة للإيرانيين، وأخذ يوصف الأمور على حقيقتها، وهذا ما كنا نتمناه منذ زمن بعيد، فمشروع إيران في المنطقة قديم، ومستمر، حتى وإن صافحكم وزير خارجيتها وابتسم وقال إنهم «يريدون علاقة طيبة»، العلاقة الطيبة عندهم تعني تصدير المتفجرات وتدريب بعض البحرينيين، ودعم الجمعيات الإرهابية في البحرين، هكذا يقصدون.
حوارات أروقة «حوار المنامة» كان بعضها طيباً، والبعض الآخر «مثل الخطاب الأمريكي» كان خطاباً مستهلكاً، بل إننا كشعوب لا نصدق أمريكا، وهي الحليف الحقيقي في تقاسم المنطقة مع الصفويين، فمهما قالوا لنا هنا، فإن هذا الخطاب لتخدير دول الخليج، بينما مشروعها لاستهداف السعودية ودول الخليج قائم ومستمر وسوف يدفعون من أجل تحقيقه. كما أننا كشعوب أصبحنا نشعر أن أمريكا أصبحت مثل رجل الثلج الذي يبنى في نهاية الشتاء، فيأتي الصيف ويبدأ بالضمور والذوبان، هكذا أصبحت أمام خطوات روسيا القوية سواء في أوكرانيا، أو في سوريا، شعرنا أن أمريكا أصبحت قزماً أمام عملاق روسي عنيف.