لا تخلو مجالس العامة والنخب في دول مجلس التعاون حالياً من نقاش محتدم على نطاق واسع بشأن التوجهات الاستراتيجية التي تسعى الحكومات الخليجية لاتخاذها من أجل إعادة توجيه الدعم الحكومي المقدم للمواطنين والمقيمين على حد سواء. وهو جدل هام وتاريخي لأنه يتعلق بمستقبل هذه الدول التي اعتمدت على الريع خلال عقود طويلة بسبب الثروات النفطية الضخمة.
الدول الخليجية التي اتبعت نموذج الدولة الريعية التي تقدم سلة من السلع والخدمات للمواطنين والمقيمين بشكل متفاوت من دولة لأخرى بات على المحك اليوم، فانخفاض أسعار النفط بشكل دراماتيكي أدى إلى انخفاض الإيرادات النفطية، وزيادة العجز في موازنات الدول الخليجية، وساهم أيضاً في زيادة الاقتراض أو استخدام الاحتياطيات النقدية الإستراتيجية.
الاقتصاديون منشغلون بإيجاد حلول ومخارج لمعالجة الآثار الاقتصادية المترتبة على انخفاض أسعار النفط، والحكومات وصلت لمرحلة اتخاذ قرارات جريئة تتعلق بضرورة رفع الدعم الحكومي أو إعادة توجيهه بطريقة أخرى للمواطنين. والمجتمعات الخليجية في حالة ترقب وتوجس من مستوى المعيشة المرتقب في هذه الدول، وهو المستوى الذي كان يعتمد عليه المواطنين منذ سبعينات القرن العشرين وحتى الآن، وكانت الفرضية السائدة لدى المواطنين بأنه كلما زادت إيرادات الدولة كلما زادت الحاجة لتحسين مستوى المعيشة سواءً كان هذا التحسين مرتبطاً بزيادة عامة للرواتب والأجور في القطاع العام، أو تقديم حزمات من الدعم للعاملين في القطاع الخاص دون اهتمام بتأثير مثل هذا الدعم على المستقبل الاقتصادي أو السياسي للدولة.
قد تكون هذه الفرضية النظرية صحيحة إذا كانت هناك جهود لتنويع مصادر الدخل والتقليل من الاعتماد على المصادر النفطية والطبيعية الأخرى تدريجياً، ولكن هذا تم بشكل متفاوت من دولة خليجية لأخرى طبقاً للسياسات المتبعة، ولكن النتيجة القاسية أن الدول الخليجية لم تتمكن حتى الآن من بناء اقتصاديات قوية قائمة على تنوع مصادر الدخل، وتعاظم دور القطاع الخاص. ومع ذلك فإنه لا يمكن إنكار المكتسبات التي تحققت للدول الخليجية من استقرار سياسي، وطفرة اقتصادية في مختلف القطاعات شهدتها هذه الدول انعكست على تحقيق مستوى معيشي مرتفع مقارنة بكثير من دول العالم الغنية بالموارد الطبيعية أو حتى الفقيرة منها.
ورغم ذلك، فإن الحاجة مازالت مستمرة لإعادة النظر في نموذج الدولة الريعية المتبع خليجياً، وبحث جدوى استمراره سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى أمنياً.
مع التحولات الداخلية والمتغيرات الإقليمية والدولية المضطربة فإن الوقت حان لبحث مستقبل الدولة الريعية الخليجية، ومن الإجراءات المتبعة الآن في دول الخليج يمكن القول إننا في منعطف تاريخي يستحق الدراسة والتحليل لبحث ما يمكن أن تكون عليه هذه الدول خلال عقدين مقبلين من الزمن. فخيار الدولة الريعية لا بد أن ينتهي سواءً الآن، أو لاحقاً مع قناعة بأن مرحلة التحول ستكون صعبة ومعقدة ولها نتائجها المختلفة.